شكلت سبل إعادة تأهيل وتثمين التراث المغربي محور لقاء علمي نظم ، اليوم الخميس بالرباط ، تحت شعار “التراث الثقافي أي مرجعية لترميمه؟”
وكان اللقاء الذي نظمته مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط بتعاون مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة وولاية جهة الرباط-سلا-القنيطرة، مناسبة للتداول في الإطار المعياري لترميم التراث المبني، وتطوير تقنيات الترميم، واستحداث مهن جديدة، وكذا رقمنة المباني التاريخية.
واعتبر وزير الثقافة والشباب والرياضة عثمان الفردوس في مداخلة ، بالمناسبة ، أن مسألة تأهيل التراث وتثمينه تتقاطع فيها السلطة العامة مع المجتمع المدني.
وقال الفردوس إن اجتماع اليوم “يجسد نوعية هذه العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة، بما يعطي معنى لإعادة التثمين”، مشيرا إلى أن تثمين التراث يتحقق “من أجل جعله ، بمعية الرأسمال غير المادي ، مشروع ا تنمويا ، خاصة على المستوى المحلي، حتى تتمكن كافة الساكنة من الاستفادة منه”.
كما شدد على “التقاطع العمودي” بين الأجيال، وأكد أهمية تحسيس الأجيال القادمة والشباب بمسألة التراث وجهود الحفاظ عليه.
ولفت إلى أن “التراث الذي هو جزء من ذاكرة الزمن على مدى طويل، يتطلب تعاونا بين عدة أجيال من عمال وعلماء أركيولوجيين وخبراء في مجال البناء والهندسة المعمارية، لصونه وتأهيله وإعطائه ، من جديد ، قيمته المركزية”.
وأشاد الوزير ، من جهة أخرى ، بوتيرة العمل في ترميم المباني، خاصة بمدينة الرباط التي تبرز كنموذج على المستوى الوطني والجهوي.
ومن جانبه، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق أن التراث المعماري ينبغي أن يدخل ضمن الثقافة العامة بالمدارس، مسجلا أن المقاولات المنخرطة في هذه الأوراش راكمت تجربة مهمة في الميدان، بمبدإ أساس يتمثل في احترام الأصل ومحاولة الإصلاح دون تغيير مخل أو تشويه.
وتابع التوفيق أن البحث في هذا المجال يهم المغرب كله، ويرعى رأسماله الثقافي صاحب الجلالة الملك محمد السادس “رعاية يقظة تتميز في ميدان الترميم بالحرص على احترام قواعد هذا الفن وتجنب أشكال النسخ والتشويه”.
وأشار إلى أن مسؤولية الحفاظ على آلاف البنايات التراثية تقع على عاتق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، منها 840 مسجدا تاريخيا، و6500 زاوية وضريحا، و330 حماما، و250 فندقا للتجارة، وغيرها من المدارس والبنايات التاريخية، مذكرا بمنجزات الوزارة بهذا الخصوص والتي شملت ترميم 77 مسجدا تمثل 70 بالمائة من المساجد التاريخية الكبرى بالمملكة، و45 زاوية وضريحا، وثماني مدارس.
وتوقف الوزير عند المقاربة التي تنهجها الوزارة في المجال، والتي تقوم على الإحصاء والتوصيف لجمع المعطيات والوثائق وتحديد الأهمية، وتدبير التراث للحفاظ على الطابع التاريخي للمعلمة، والتقويم الدوري لأحوال البنايات التراثية، فضلا عن القيام بالدراسات اللازمة، والتدخل من أجل الترميم.
وبدورها، أفادت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي نادية فتاح العلوي بأن السياحة المرتبطة بالتراث التاريخي لها قيمة كبيرة مضافة على صورة البلد. وقالت إن “المغرب ، بالتنوع المتفرد لمواقعه ومآثره التاريخية ، يطمح لأن يجعل من هذه المقومات إحدى نقاط القوة في استراتيجيته”.
وأوضحت فتاح العلوي أنه إلى غاية اليوم، تشكل الوجهات الثقافية 45 في المائة من مجموع الرحلات الدولية العالمية، مشيرة إلى أن الوزارة ، في أفق صيانة هذا التراث ، انخرطت في عدة برامج لتأهيل المدن العتيقة بالمملكة ضمنها الرباط وسلا، فضلا عن تثمين المدارات السياحية والمتاحف وباقي البنيات ذات طابع حضاري.
كما أن الوزارة ، تقول فتاح العلوي ، بصدد “العمل على تعزيز الانسجام بين الاستراتيجية الوطنية للصناعة التقليدية وتلك التي تخص السياحية، على أساس التكامل بين القطاعين وإعطاء قيمة مضافة للمنتجات الحرفية والفضاءات السياحية”، مضيفة أن حرف الصناعة التقليدية ، في عمومها ، مطلوبة خلال عمليات الترميم وتأهيل التراث، مما يجعلها أكثر إشعاعا في الفضاءات التراثية والفنادق.
وحسب الوزيرة، “فإن صيانة التراث ، بشكل عام ، باتت اليوم شديدة الارتباط بالحفاظ على بعض حرف الصناعة التقليدية. وهكذا فإن الوزارة تسهر ، عبر برامج وعبر التكوين من خلال التعلم والتكوينات المستمرة ، على للحفاظ على هذه الحرف”.
ويتضمن جدول أعمال هذا اللقاء جلستين واحدة عبر الاتصال المرئي من باريس (فرنسا) حول “التجربة الدولية في مجال ترميم التراث المبني”، بمشاركة خبراء في المجال، بينما الجلسة الثانية الحضورية من الرباط مخصصة للتجربة المغربية في هذا الميدان كترميم القرويين بفاس وقبور السعديين بمراكش والقصبات والقصور، وترميم المدينة العتيقة بالرباط.