تقرير المجلس الاقتصادي: 15 ألف مقاولة صغيرة تتعثر في سنة واحدة
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بطلب من مجلس المستشارين، تقريراً لافتاً دقّ فيه ناقوس الخطر بشأن الوضع المتدهور للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى في المغرب، بعد سنة اعتُبرت من الأصعب على هذه الفئة التي تشكل قاعدة النسيج الإنتاجي الوطني. فقد سجلت سنة 2024 وحدها ما يفوق 15 ألف حالة تعثر، معظمها يهم المقاولات الصغيرة جدًا التي تمثّل أكثر من 98% من مجموع المقاولات المهيكلة بالمملكة.
التقرير الجديد، الصادر تحت عنوان “تحديات المقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا في المغرب: النمو، التحديث والتطوير”، يكشف أن هشاشة هذه الوحدات الإنتاجية لم تعد مرتبطة فقط بالظرفية الاقتصادية، بل أصبحت مسألة بنيوية تعكس اختلالات عميقة على مستوى التدبير، والتمويل، والمنافسة، والبيئة القانونية.
فالمجلس يلفت إلى أن جزءاً كبيراً من المقاولات الصغيرة جدًا يواجه صعوبات داخلية، أبرزها غياب مهارات التسيير الحديثة وضعف القدرات المالية. كما أن كثيراً من المشاريع تُطلق بدافع الضرورة أكثر من كونها مبنية على تحليل اقتصادي أو رؤية واضحة، ما يجعلها أكثر عرضة للتعثر بمجرد ظهور أول صدمة اقتصادية.
إلى جانب ذلك، تتقاطع عدة عوامل خارجية لتعمّق الأزمة، من بينها صعوبة الحصول على التمويل، وصعوبة ولوج سلاسل القيمة، وهيمنة الشركات الكبرى على الصفقات العمومية، فضلاً عن المنافسة غير المتكافئة أمام القطاع غير المهيكل، الذي يفرض ضغطاً على الأسعار ويحدّ من فرص نمو المقاولات المهيكلة.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن آجال الأداء الطويلة، سواء من قبل الزبناء أو الإدارات العمومية، تشكل واحدة من أكثر المعيقات إلحاحاً، إذ تتسبب في اختناقات مالية قد تفضي إلى توقف النشاط أو الإفلاس، وهو ما يفسّر ارتفاع حالات التعثر المسجلة في سنة واحدة.
كما لا يغفل المجلس الإشارة إلى البيروقراطية والعبء الجبائي وتعقيد الإجراءات الإدارية، سواء عند تأسيس المقاولة أو خلال تدبيرها اليومي، مؤكداً أن الرقمنة لم تُترجم بعد إلى تبسيط فعلي يراعي خصوصيات المقاولات الصغيرة جدًا.
ولمواجهة هذا الوضع، دعا المجلس إلى اعتماد إصلاحات هيكلية شاملة، وعلى رأسها سن قانون خاص بالمقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا يجمع مختلف آليات الدعم في إطار موحد، وإنشاء هيئة مستقلة لتقييم السياسات العمومية الموجهة لهذه الفئة. كما شدد على تسريع تفعيل التدابير المدرجة في ميثاق الاستثمار وتسهيل الولوج إلى التمويل وجعل التكوين المستمر جزءاً من المواكبة التقنية.
وحذر التقرير من أن استمرار هذا الوضع يهدد توازن النسيج الاقتصادي الوطني، بما أن أي تعثر داخل هذه الفئة ينعكس مباشرة على مئات الآلاف من الأسر ويفاقم هشاشة المناطق الأكثر ضعفاً.
وختم المجلس بالتأكيد على أن دعم هذه المقاولات ليس مجرد خطوة لتحفيز النمو، بل هو خيار استراتيجي لضمان العدالة الاقتصادية وترسيخ الاستقرار الاجتماعي داخل المغرب.






