صونيا التراب تكتب بالكاميرا وجع الأمهات في “حدائق الجنة”

يُعرض الفيلم القصير “حدائق الجنة” للمخرجة والكاتبة المغربية صونيا التراب لأول مرة بالمغرب، ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، المقرر تنظيمه من 17 إلى 25 أكتوبر الجاري. عملٌ سينمائي يجمع بين الحس الإبداعي والالتزام الإنساني، ويؤشر على ولادة صوت جديد في المشهد الروائي المغربي، بعدما اشتهرت المخرجة بأفلامها الوثائقية الجريئة وانخراطها العميق في قضايا حقوق النساء والحريات الفردية.

الفيلم، الذي استفاد من دعم التسبيق على المداخيل الذي يمنحه المركز السينمائي المغربي، كان قد افتتح مساره العالمي في مهرجان الفيلم الفرانكفوني بنامور، حيث لاقى صدى نقديًا إيجابيًا، قبل أن يواصل رحلته إلى مهرجان INTERFILM ببرلين في نونبر المقبل، ضمن فئة “المستقبل المتمرّد”، وهو عنوان يحمل رمزية قوية تتقاطع تمامًا مع روح الفيلم.

من خلال قصة نعيمة، الأم التي تُربي ابنها الوحيد أحمد في حي صفيحي بضواحي الدار البيضاء، تختار صونيا التراب أن تفتح نافذة على معاناةٍ صامتةٍ تعيشها نساء كثيرات في المغرب، عندما يصطدمن بثغرات مدوّنة الأسرة وقوانين الولاية الشرعية. فحين يُفرض على الطفل تغيير مدرسته بسبب إعادة الإسكان، تجد الأم نفسها عاجزة عن تسجيله لغياب توقيع الأب، المفقود منذ سنوات. هكذا يتحول إجراء إداري بسيط إلى مأساة إنسانية، تكشف هشاشة منظومة قانونية تجعل من الأم الحاضنة رهينة لتوقيعٍ غائب.

بلغةٍ سينمائيةٍ شاعريةٍ لا تخلو من واقعيةٍ مؤلمة، تُحوِّل المخرجة تفاصيل الحياة اليومية إلى مرآة تعكس التوتر القائم بين القانون والعدالة، بين ما هو مكتوب وما هو إنساني. الإضاءة، زوايا التصوير، وحتى الصمت بين الحوارات، كلها أدوات تضع المُتفرّج أمام سؤالٍ حارق: لمن تنتمي الولاية حقًا؟ للأب الذي غاب، أم للأم التي تحضر بكل قوتها وحبها؟

لا يكتفي “حدائق الجنة” بطرح قضية، بل يفتح أفقًا للتأمل في معنى المواطنة والمساواة داخل مجتمع يعيش تحولات عميقة. من خلال هذه التجربة الروائية الأولى، تُبرهن صونيا التراب على أن السينما ليست فقط مرآة الواقع، بل وسيلة لتغييره، وأن الفن يمكن أن يكون ساحةً للنقاش حول قيم العدالة والكرامة والحرية.

“حدائق الجنة” ليس فيلمًا قصيرًا فحسب، بل صرخة فنية ناعمة في وجه الصمت، وشهادة صادقة على مغربٍ جديدٍ يُعيد التفكير في علاقته بالإنسان، والقانون، وبالمرأة التي تزرع الحياة وتحضن بحب رغم القيود.

Exit mobile version