في إطار احتفالاتها بالتوأمة التاريخية بين مدينتي فاس وفلورنسا، وبمناسبة الدورة 28 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، تحتفي المملكة المغربية بإيطاليا كـ”ضيف شرف” لهذه السنة، في اختيار يعكس العمق الثقافي المشترك بين البلدين وارتباطهما بفكرة “الانبعاثات”، إشارة إلى روح عصر النهضة الأوروبية التي غيرت مجرى التاريخ.
تربط المدينتان العريقتان – فاس المغربية وفلورنسا الإيطالية – علاقة توأمة منذ سنة 1961، تجسيدًا لروابط تاريخية وإبداعية تمتد عبر القرون. فكما كانت فلورنسا منارة النهضة الأوروبية، كانت فاس، بجامعة القرويين (أقدم جامعة في العالم)، مركزًا للإشعاع العلمي والروحي في حوض المتوسط وإفريقيا. ويؤكد هذا الحدث على دور الثقافة كجسر للتواصل بين الشعوب.
كرمز لهذا التقارب، سيقدم المهرجان تحفة موسيقية نادرة بعنوان “صلاة الغروب للسيدة العذراء” للملحن الإيطالي كلاوديو مونتفيردي (1567)، أحد رواد الموسيقى الكلاسيكية في عصر النهضة. العمل، الذي يُعتبر أول مقطوعة مقدسة تجمع بين النصوص الدينية وتقنيات صوتية مبتكرة، عرض ليلة أمس السبت17 ماي على خشبة باب الماكينة، بمشاركة أوركسترا مهرجان “مونتفيردي دي كريموني” بقيادة “أنطونيو كريكو”، والأوركسترا العربية الأندلسية لفاس بقيادة محمد بريول.
جاء هذا الحدث ثمرة تعاون بين سفارة إيطاليا بالمغرب والمعهد الثقافي الإيطالي بالرباط، حيث أكد سفير إيطاليا بالمغرب، أرماندو باروكو على أهمية هذا اللقاء قائلا: “إيطاليا والمغرب يتقاسمان حب الفن كأرقى تعبير عن الروحانية. هذا الحفل هو خطوة جديدة في حوارنا الثقافي.”
كما أشار إلى الدور التاريخي لمدينة فاس في تعزيز الحوار بين الأديان، مذكرًا جهود الدبلوماسي الإيطالي “جورجيو لابيرا”، عمدة فلورنسا السابق، الذي كان صديقًا للملكين محمد الخامس والحسن الثاني.
بعد الحفل الرئيسي، سيحيي فريق “زنايدة” السويسري، المكون من طلبة مدرسة “كونتوروم باسيلينس”، حفلًا موسيقيًا مستوحى من التراث الفرنسي-الفلامانكي في عصر النهضة، يوم 21 ماي بحدائق جنان السبيل، بدعم من سفارة سويسرا بالمغرب.
يمثل اختيار إيطاليا ضيف شرف للمهرجان تكريمًا للتاريخ المشترك بين المغرب وأوروبا، وإبرازًا لدور الفن في بناء الجسور. فكما أعادت النهضة الأوروبية إحياء التراث القديم، يقدم مهرجان فاس نموذجًا حيًا لـ”نهضة معاصرة” تقوم على الحوار بين الشرق والغرب، بين القديم والجديد.
هكذا تصبح فاس، مرة أخرى، عاصمة للتعايش والإبداع، متجاوزة الحدود الجغرافية والزمنية، لتؤكد أن الموسيقى لغةٌ تفوق كل اللغات.