الأخبارمال و أعمال

أوراش بنك المغرب: نحو إشراف احترازي وتنظيم للأصول الرقمية

تشهد الساحة المالية المغربية في الآونة الأخيرة دينامية إصلاحية ملحوظة يقودها بنك المغرب، وتندرج ضمن جهود المملكة لتحديث الإطار المالي وضمان توازنه واستدامته. فقد كشفت المؤسسة، خلال الندوة الصحفية التي أعقبت اجتماع مجلسها الإداري، عن تقدم مجموعة من الأوراش الاستراتيجية، من أبرزها إخضاع مؤسسة “تمويلكم” لإشراف احترازي، وإرساء سوق للقروض المتعثرة، وتأطير سوق الأصول المشفرة.

أحد أبرز هذه التحولات يتمثل في التحضير لإخضاع “تمويلكم” لإطار إشراف احترازي خاص، وهي مؤسسة عمومية تضطلع بمهمة ضمان تمويل المقاولات، لا سيما الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة. وتأتي هذه الخطوة في سياق سعي بنك المغرب إلى تكييف منظومة الإشراف مع طبيعة عمل الفاعلين غير البنكيين الذين يضطلعون بمهام سيادية أو شبه سيادية، على غرار “تمويلكم” التي تتدخل باسم الدولة.

ويستلهم البنك المركزي توجهه هذا من التجربة السابقة مع صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، حيث يسعى إلى بلورة إطار رقابي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية تدخلات المؤسسة، دون أن يفرض عليها بشكل آلي المعايير المطبقة على البنوك التجارية.

من جهة أخرى، تُدرس حالياً إمكانية إصلاح شامل لطرق تدخل “تمويلكم”، خصوصاً تلك المتعلقة بالضمانات الممنوحة للقروض الصغيرة. وتفكر السلطات في اعتماد مقاربة مبنية على تقييم محافظ القروض بدلاً من تحليل كل ملف على حدة، ما من شأنه تحسين تقييم المخاطر وضبط نسب التغطية بشكل أدق، وبالتالي تعزيز فعالية هذه الأداة التمويلية الحيوية.

تنظيم سوق القروض المتعثرة: من بين الأوراش المفتوحة أيضاً، ملف هيكلة سوق للقروض المتعثرة، والذي يُعد رهانا أساسياً لضمان سيولة النظام المالي، وتمكين المؤسسات البنكية من تفريغ ميزانياتها من الأصول غير المنتجة. ويعمل بنك المغرب حالياً على وضع إطار قانوني وتنظيمي ملائم يسمح بتداول هذه القروض بطريقة شفافة وآمنة، ما من شأنه أن يعزز جاذبية السوق المغربية أمام المستثمرين المتخصصين في هذا النوع من الأصول.

الأصول المشفرة، نحو تنظيم مرن وتدريجي: وفي سياق التفاعل مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، أكد بنك المغرب أن مشروع القانون المتعلق بالأصول المشفرة (cryptoactifs) قد تم الانتهاء من صياغته، وهو حالياً قيد الدراسة لدى وزارة الاقتصاد والمالية، قبل إحالته إلى البرلمان.

وحسب ما تم الإعلان عنه، فإن التوجه نحو المنع غير وارد، بل هناك نية لاعتماد تنظيم متدرج ومتوازن. إذ تهدف السلطات إلى مواكبة الابتكار الرقمي دون الإخلال بمتطلبات الاستقرار المالي وحماية المستهلك، فضلاً عن مواجهة مخاطر غسل الأموال والتقلبات الحادة في الأسواق.

وفي خطوة استباقية، يجري حالياً إعداد نصوص تطبيقية بالتعاون مع البنك الدولي، لضمان دخول سلس وسريع للإطار القانوني حيز التنفيذ فور المصادقة عليه. وتُبرز هذه المقاربة الاستباقية وعي السلطات بمخاطر الفراغ القانوني، الذي قد يفتح الباب أمام ممارسات غير مشروعة ويقوض الثقة في السوق المالية.

زر الذهاب إلى الأعلى