
تستأنف اللجنة التقنية الحكومية المكلفة بإصلاح التقاعد اجتماعاتها يوم 18 شتنبر الجاري، بحضور النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، في إطار إعادة إطلاق ورش إصلاح شامل لنظام التقاعد، الذي بات يواجه تحديات مالية واجتماعية تهدد استمراريته.
ويعاني النظام المغربي من تشتت واضح، حيث يضم تسعة أنظمة مختلفة بقواعد ومزايا متباينة، مع وجود فوارق كبيرة في المعاشات بين القطاعين العام والخاص، إذ يبلغ متوسط معاش الموظفين 8.394 درهماً مقابل 2.163 درهماً فقط في القطاع الخاص. كما أن أكثر من نصف الساكنة النشيطة، أي ما يقارب 6,3 ملايين شخص، يظلون خارج أي تغطية تقاعدية، ما يزيد من حدة الهشاشة الاجتماعية.
وتشير معطيات اللجنة إلى أن ثلاثة أنظمة تواجه عجزاً هيكلياً، إذ يسجل الصندوق المغربي للتقاعد عجزاً بـ 7,8 مليارات درهم مع احتمال استنفاد احتياطاته البالغة 68 مليار درهم في أفق سنة 2028، فيما يحقق النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزاً بـ 3,3 مليارات درهم وقد تنفد احتياطاته سنة 2052، بينما يظل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في وضع متوازن نسبياً، لكنه مهدد باستنفاد احتياطاته المقدرة بـ 61 مليار درهم في أفق سنة 2038. ويعود هذا الوضع أساساً إلى تراجع نسبة المساهمين مقابل المتقاعدين، التي انخفضت من سبعة مساهمين لكل متقاعد مطلع سنوات 2000 إلى اثنين فقط حالياً.
ويقترح التصور الحكومي اعتماد نظام مبني على قطبين، الأول يخص القطاع العام ويضم نظاماً أساسياً بحد أقصى ونظاماً تكميلياً إلزامياً، والثاني موجه للقطاع الخاص ويشمل الأجراء والمستقلين، مع إمكانية الانخراط في أنظمة تكميلية اختيارية. وتتضمن المقترحات أيضاً رفع سن التقاعد تدريجياً إلى 65 سنة، ومراجعة نسب الاقتطاع بشكل متوازن بين الأجراء والمشغلين، وتعديل طريقة احتساب المعاشات على أساس عدد أكبر من سنوات العمل، وتوسيع التغطية لتشمل المستقلين والعمال الموسميين وغير المهيكلين، فضلاً عن تجميد الزيادة الآلية في المعاشات بصفة مؤقتة لضمان التوازن المالي.
ورغم أن توصية إحداث نظام ثنائي الأقطاب تعود إلى سنة 2013، فإن الإصلاحات الجزئية التي اعتمدت لاحقاً، مثل رفع سن التقاعد إلى 63 سنة بالنسبة للموظفين وزيادة نسبة الاقتطاعات إلى 28%، لم تكن سوى حلول ظرفية أرجأت الأزمة لسنوات معدودة. ويرى خبراء أن جولة الحوار الاجتماعي المقبلة تمثل لحظة حاسمة لإيجاد توافق وطني حول إصلاح يضمن استدامة النظام ويحافظ على مكتسبات المتقاعدين، مع معالجة التفاوتات القائمة، مؤكدين أن إصلاحاً تدريجياً وتوافقياً اليوم يبقى أفضل من مواجهة أزمة حادة وغير قابلة للاحتواء غداً.