الأخبارمال و أعمالملفات خاصة

البُراق، قطار فائق السرعة يعيد رسم خريطة النقل في المغرب

أطلق المغرب في بداية سنوات 2000 برنامجًا طموحًا لتطوير شبكة السكك الحديدية، بهدف إنشاء 1500 كيلومتر من خطوط القطار فائق السرعة بحلول سنة 2040. وكانت أولوية الربط بين الدار البيضاء وطنجة واضحة، لكونهما مركزين اقتصاديين استراتيجيين، خصوصًا مع صعود ميناء طنجة المتوسط كمحور تجاري حيوي.

المشروع، الذي انطلق رسميًا سنة 2006، حظي بدعم قوي من الدولة، وشهد شراكة دولية بارزة، خاصة مع فرنسا، التي ساهمت في تزويد المغرب بالقطارات وتوفير الخبرة التقنية. ومنح جلالة الملك محمد السادس للمشروع اسم “البُراق”، المستوحى من التراث الإسلامي، ليعكس البُعد الثقافي والرمزي للقطار السريع.

بدأت الأشغال بين سنتي 2011 و 2013 على المقطع الأول بين طنجة والقنيطرة، بعد إنهاء الدراسات التمويلية سنة 2010. وفي سنة 2015، وصلت أول قطارات “ألستوم يورودوبليكس” إلى المغرب، إيذانًا بدخول المشروع مرحلة التنفيذ الفعلي، حيث تم إنشاء 186 كيلومترًا من الخط الجديد وتحديث 160 كيلومترًا من السكة القائمة.

وخلال التجارب سنة 2017، حطم “البُراق” رقمًا قياسيًا إفريقيًا بسرعة بلغت 357 كيلومترًا في الساعة. أما الافتتاح الرسمي، فقد جرى يوم 15 نونبر 2018 بحضور جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليبدأ تشغيل القطار لفائدة المسافرين بعد أسابيع فقط.

تغطي خطوط البراق بين الدار البيضاء وطنجة مسافة تقارب 350 كيلومترًا، حيث تبلغ السرعة القصوى على المقطع الجديد 320 كيلومترًا في الساعة، ما قلّص زمن الرحلة من 4 ساعات و 45 دقيقة إلى حوالي ساعتين و 10 دقائق فقط. ويتكون أسطول “البُراق” من 12 قطارًا مزدوج الطوابق، بسعة تصل إلى 533 راكبًا في القطار الواحد. وقد بلغت الكلفة الإجمالية للمشروع نحو 20 مليار درهم، ما يعادل حوالي 1.8 مليار أورو.

نقلت خطوط “البراق” 3 ملايين مسافر سنة 2019، ليرتفع العدد إلى 5 ملايين في سنة 2023، متجاوزًا التوقعات الأولية. وتشمل المحطات التي يخدمها الخط كلًا من طنجة، والقنيطرة، والرباط أكدال، والدار البيضاء المسافرين.

لم يكن هذا المشروع إنجازًا تقنيًا فقط، بل شكل رافعة اقتصادية حقيقية. فقد ساهم في خلق آلاف فرص العمل خلال مرحلة الإنجاز، وساهم في تعزيز التبادل التجاري بين الدار البيضاء وطنجة، إلى جانب دعم السياحة الداخلية والخارجية، لاسيما في طنجة التي سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الزوار.

ويمثل هذا الإنجاز المغربي الريادي نقطة مضيئة على الساحة الإفريقية، حيث يُعد المغرب البلد الوحيد في القارة الذي يملك خطًا للقطار فائق السرعة قيد التشغيل التجاري، ما يُعزز مكانته كمركز جذب للاستثمار ويُبرز قدرته على تنفيذ مشاريع كبرى بجودة عالية.

وبعد النجاح الكبير لـ”البُراق”، أطلق جلالة الملك محمد السادس، يوم الخميس 24 أبريل 2025 من محطة الرباط أكدال، أشغال إنشاء خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، على امتداد 430 كيلومترًا. كما تُخطط المملكة لربط مراكش بأكادير مستقبلًا، لدمج الجنوب ضمن شبكة النقل الحديثة.

ويُدرج المكتب الوطني للسكك الحديدية هذا المشروع ضمن رؤيته “أفق 2040″، التي تروم إنشاء 1100 كيلومتر إضافية من خطوط القطار فائق السرعة، لتشمل مناطق جديدة من البلاد، وتعزز الربط بين المدن وتحرك عجلة الاقتصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى