الجبايات المحلية: إصلاح مؤجل يُقيد التنمية ويعمّق الفوارق

رغم أثرها المباشر على الحياة اليومية للمواطنين والمقاولات، لا تزال الضرائب المحلية تمثل الحلقة الأضعف في مسار الإصلاح الضريبي بالمغرب، نتيجة غياب مدونة موحدة خاصة بها، على غرار المدونة العامة للضرائب المعتمدة منذ 2010. ويجمع العديد من الخبراء على أن النظام الضريبي المحلي، رغم تعدد روافده، يعاني من التشتت وضعف الفعالية، فضلاً عن غياب العدالة المجالية، في وقت أصبحت فيه الجهوية المتقدمة ركيزة استراتيجية للتنمية الترابية.
يخضع النظام الضريبي المحلي حالياً لأحكام القانون 47.06 المتعلق بالضرائب المحلية (وهي الموارد المالية التي تجمعها الجماعات الترابية (البلديات، الأقاليم، الجهات) لتمويل أنشطتها وخدماتها)، والذي يضم 17 ضريبة ورسماً موزعة بين الجماعات، والعمالات والأقاليم، والجهات. وتفيد معطيات الخزينة العامة للمملكة أن إجمالي المداخيل الجبائية المحلية بلغ سنة 2024 حوالي 43,4 مليار درهم، مع تباين كبير في مردودية هذه الموارد بين الجهات، ما يفاقم التفاوتات المجالية. ويبرز ذلك في كيفية توزيع مداخيل الضريبة المهنية، التي تشكل أحد الموارد الأساسية، حيث يوجّه 80% منها للجماعة محل التحصيل، و10% للغرف المهنية، و10% للدولة كتكاليف تسيير، مما يؤدي إلى تركيز الموارد في الجهات الصناعية الكبرى على حساب المناطق الأقل نمواً.
وتُعد الضريبة المهنية من أكثر الضرائب إثارة للجدل، إذ تعتمد على “القيمة الكرائية” كأساس للوعاء الضريبي، والتي لا تقل عن 3% من كلفة العقار والتجهيزات، ما يمثل عبئاً ثقيلاً على المقاولات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، ويثبط الاستثمارات الصناعية. كما أن هذا الأساس الضريبي لم يعد يواكب التحولات الهيكلية التي يعرفها الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة والتكنولوجيا، ما يستوجب إعادة النظر فيه بشكل جذري.
في المقابل، تُعتبر الضريبة على السكن، وضريبة الخدمات الجماعية، وضريبة الأراضي غير المبنية، ورسوم التجزئة والبناء من أبرز الضرائب المحلية المرتبطة بالعقار. غير أن تداخل بعضها مع ضرائب وطنية مثل الضريبة على القيمة المضافة يزيد من تعقيد المنظومة الضريبية، ويرفع من التكلفة الإدارية والجبائية على المواطنين والمقاولات، دون أن يقابله أثر تنموي ملموس في عدد من الجماعات.
كما تفرض مجموعة من الرسوم على أنشطة وخدمات استهلاكية، مثل الإقامة السياحية، والمشروبات، والمياه المعدنية، والنقل العمومي. إلا أن مردودية العديد منها تبقى ضعيفة مقارنة بكلفة تدبيرها، كما هو الحال مع رسم المشروبات الذي لم يتجاوز 309 ملايين درهم سنة 2024. وفي ظل غياب إدارة موحدة مختصة بالضرائب المحلية، يتشتت تدبير هذه الرسوم بين الجماعات، والمديرية العامة للضرائب، والخزينة العامة، ما يعوق التتبع والنجاعة ويضعف من الاستقلالية المالية للجماعات.
وتكشف أرقام 2024 أن 62% من موارد الجماعات الترابية تأتي من تحويلات الدولة، مقابل 23,5% من الضرائب المُدارة مركزياً لفائدتها، و14% فقط من الموارد الذاتية التي تحصّلها بشكل مباشر. هذا الاعتماد الكبير على التمويل المركزي يُقيد قدرة الجماعات على بلورة وتنفيذ برامج تنموية مستقلة، ويجعلها مرتبطة بتوجهات الدولة المركزية، بما يتعارض مع مبادئ اللامركزية والجهوية المتقدمة.
في هذا السياق، أعلن وزير الداخلية عن قرب إطلاق إصلاح شامل للجبايات المحلية، يهدف إلى تقليص عدد الرسوم والضرائب، وإعادة هيكلتها ودمج المتشابه منها، خاصة ما يتقاطع في وعائه الجبائي، مثل ضريبة السكن والخدمات الجماعية والضريبة المهنية. كما يشمل هذا الإصلاح حذف الرسوم ضعيفة المردودية، وتعويضها برفع حصة الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة، التي ارتفعت من 30% إلى 32% في قانون مالية 2025.
ولا يكتمل هذا الإصلاح دون إعادة هيكلة الإدارة الجبائية المحلية، من خلال إحداث هيئة ترابية موحدة وفعالة، تعتمد على الرقمنة والتنسيق بين وزارتي الداخلية والمالية، والمديرية العامة للضرائب، والخزينة العامة. ويُراهن على هذه المقاربة لتجاوز التعقيدات الحالية، وتكريس مبدأ الخدمة العمومية المبنية على النجاعة والشفافية والمردودية.
أضحى تأجيل إصلاح الجبايات المحلية أمراً غير مقبول، في ظل تنامي الحاجيات التمويلية، وتزايد تحديات التنمية الترابية، والحاجة الملحة إلى ترسيخ العدالة المجالية. وللخروج من هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى إرادة سياسية حازمة، وتعبئة تشريعية ومؤسساتية شاملة، تُمكّن من بناء منظومة جبائية محلية أكثر عدلاً ونجاعة، تستجيب لمتطلبات التنمية، وتحفز الاستثمار، وتدعم مقومات العيش الكريم.