
افتتحت، أمس الأربعاء 8 أكتوبر، بمدينة الدار البيضاء، أشغال المناظرة الوطنية الأولى للإشهار، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وجمعت هذه المبادرة مختلف الفاعلين في القطاع حول رؤية مشتركة تروم إرساء صناعة إشهارية مغربية حديثة، قائمة على الشفافية والإبداع والسيادة الإعلامية.
ويأتي انعقاد هذه المناظرات في وقت يشهد فيه السوق الإشهاري المغربي تحديات حقيقية، إذ إن نحو أربعة أخماس الإنفاق الإشهاري بالمملكة يتجه نحو المنصات الرقمية الأجنبية، وعلى رأسها عمالقة التكنولوجيا العالميون (GAFAM). هذا الواقع يعكس هشاشة بنية السوق المحلية وسرعة انفتاحها على العولمة دون تأطير كافٍ.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن الإشهار يشكل رافعة اقتصادية وإبداعية، لكنه أيضًا “ركيزة من ركائز السيادة الرقمية والإعلامية التي يسعى المغرب إلى ترسيخها”. وأبرز الوزير أن الصناعات الثقافية والإبداعية تساهم اليوم بنسبة 2.7% من الناتج الداخلي الخام، مقابل 2.4% سنة 2022، وتوفر حوالي 140 ألف منصب شغل، ثلثها تشغله النساء.
ورغم هذا النمو، فإن القطاع لا يزال يعاني فراغًا قانونيًا في المجال الرقمي، حيث لا توجد ضوابط واضحة تحدد أشكال الإشهار ومسؤولياته وحدوده تجاه المحتوى التحريري، رغم أن حجم السوق الوطني بلغ نحو 6.3 مليارات درهم سنة 2024. ويرى الخبراء أن سد هذا الفراغ من شأنه أن يضاعف مردودية القطاع ويمنحه إطارًا مؤسساتيًا متينًا.
وخلال مداخلتها، شددت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، على أن الإشهار “ليس مجرد سوق، بل لغة اجتماعية تعكس صورة المجتمع”. وأكدت أن غياب الضوابط يجعل الإشهار يفقد بوصلته الأخلاقية ويشوّه القيم التي يُفترض أن يعبّر عنها، داعية إلى تحديد جماعي لما يجب ترويجه أو حظره في الفضاء العام. كما دعت إلى ترسيخ الشفافية وضمان منافسة عادلة بين الفاعلين المحليين والمنصات العالمية، وإرساء مبدأ التشارك في حوكمة القطاع بين الدولة والمعلنين ووسائل الإعلام.
وتم خلال النقاش اقتراح مجموعة من الأوراش الاستراتيجية، في مقدمتها إنشاء أدوات مغربية لقياس نسب المشاهدة، ووضع نظام جبائي عادل للإشهار الرقمي يسمح بإعادة ضخ جزء من العائدات في الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تطوير تكوين الكفاءات الشابة وإدماج المقاولات الصغيرة والمبدعين في سلسلة القيمة الإشهارية.
ورغم أن هذه المناظرات لا تدّعي معالجة جميع الإشكاليات، إلا أنها مثّلت خطوة أولى نحو بناء وعي جماعي بضرورة هيكلة القطاع. فقد أجمع المشاركون من سلطات وهيئات تنظيمية ومعلنين وفاعلين إعلاميين على الحاجة إلى تنسيق دائم وإصلاح شامل. وكما لخّصت رئيسة “الهاكا”، فإن “إشهارًا مغربيًا منظمًا، قائماً على المصلحة العامة، يمكن أن يتحول إلى قوة اقتصادية وثقافية فاعلة في مسار التنمية الوطنية”.