
يشهد المغرب ضغوطًا متزايدة على الموارد المائية، مع ارتفاع الطلب على مياه الشرب إلى أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنويًا، يتركز بشكل خاص في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، طنجة، ومراكش. وعلى الرغم من التساقطات المطرية التي شهدها المغرب خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، تستمر معدلات ملء السدود في تسجيل مستويات متدنية، ما يطرح تحديات حقيقية على الأمن المائي الوطني.
تُظهر البيانات الرسمية، الصادرة عن منصة “الما ديالنا” التابعة لوزارة التجهيز والماء، أن معدل تعبئة السدود في المغرب لم يتجاوز 37.9% حتى نهاية يونيو 2025. وتستهلك الدار البيضاء أكثر من 207 ملايين متر مكعب من المياه سنويًا، ما يجعلها الأكثر استهلاكًا، تليها طنجة بحوالي 71.3 مليون متر مكعب، ومراكش التي تسجل حاجيات تقارب 70 مليون متر مكعب بسبب النمو السكاني والنشاط السياحي المتصاعد.
يرتكز إمداد العاصمة الاقتصادية على حوض سبو الذي يظهر معدل تعبئة جيد نسبياً يبلغ 50.5%، بينما يعاني حوض أم الربيع، المسؤول عن تغذية مراكش، من تراجع حاد حيث لا يتجاوز معدل تعبئة سدود الحوض 11.5% فقط، ما دفع الجهات المعنية للبحث عن بدائل مائية أخرى، مثل الاستعانة بمياه حوض تانسيفت.
تُضاف إلى ذلك الأوضاع المتدهورة في مناطق الجنوب، حيث تسجل سدود سوس ماسة نسبة تعبئة 20% فقط، فيما يعاني حوض درعة-واد نون من مستويات تعبئة لا تتجاوز 33.8%. وبالمقابل، هناك أحواض مائية مثل لوكس والتي سجلت نسبة تعبئة تقارب 58%، وهي مناطق أقل تأثرًا بسبب عوامل مناخية وجغرافية مختلفة.
وفي تعليقها على الوضع، حذرت المهندسة أميمة خليل الفن، خبيرة في هندسة المياه وتغير المناخ، من خطورة التأخر في اتخاذ التدابير اللازمة، مؤكدة أن “الحق في الماء هو ركيزة أساسية للكرامة الإنسانية، ولا يمكن تحميل المواطن البسيط تبعات التأخير في تنفيذ الخطط الاستراتيجية”.
وتسعى السلطات المغربية إلى مواجهة هذه التحديات عبر مشاريع متعددة تشمل إنشاء محطة تحلية مياه البحر بأكادير، وتعزيز الربط بين الأحواض المائية، وتنفيذ عمليات حفر آبار عميقة، بالإضافة إلى تطوير شبكات توزيع المياه وتحسين تقنيات إعادة استخدام المياه العادمة.
غير أن الخبراء يشددون على أن نجاح هذه المبادرات يرتبط بسرعة التنفيذ، وتكامل السياسات المائية، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الفاعلين على المستويين المركزي والمحلي، لضمان تأمين الموارد المائية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية والزيادة السكانية.
في ظل هذه المعطيات، يبقى الأمن المائي تحديًا استراتيجيًا حيويًا يفرض على المغرب تبني حلول مستدامة وفعالة، تحمي الحقوق الأساسية للمواطنين وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.