يعيش المغرب خلال موسم الصيف الحالي موجة حرّ شديدة تُعد من بين الأشد خلال السنوات الأخيرة، حيث تجاوزت درجات الحرارة في عدد من المناطق عتبة 47 درجة مئوية. هذا الوضع الجوي الاستثنائي يثير القلق في الأوساط الصحية، نظرًا لمخاطره المباشرة على صحة المواطنين، خاصة في صفوف الفئات الهشة كالأطفال والمسنين وذوي الأمراض المزمنة.
في مدن الداخل والجنوب، بدت الحياة وكأنها دخلت في وضعية انتظار ثقيل، حيث تراجعت الحركة في الشوارع والأسواق، فيما اختار الكثيرون المكوث في منازلهم تفاديًا لأشعة الشمس اللاهبة. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، برزت آثار صحية ملموسة شملت حالات إجهاد حراري، ودوار، وفقدان للسوائل، وتهديدات بضربات شمس قد تكون قاتلة في حال عدم التدخل الفوري.
الأحياء الهامشية والمناطق القروية تبدو الأكثر تضررًا بسبب ضعف التجهيزات وغياب التهوية أو التكييف، ما يزيد من هشاشة سكانها أمام موجة الحر. في المقابل، تغيب إلى حد كبير مبادرات جماعية فعالة على المستوى المحلي، سواء من حيث تجهيز نقاط ماء بارد أو فتح مراكز عمومية مكيّفة لفائدة الساكنة. كما أن غياب حملات توعوية ميدانية يزيد من تعميق خطر اللامبالاة أو الجهل بطرق الوقاية.
القطاعات المهنية بدورها تأثرت بشكل مباشر، حيث اضطر العديد من العمال في مجالات البناء والفلاحة والنقل إلى تقليص ساعات العمل أو توقيفه خلال ساعات الذروة، تفاديًا لمضاعفات صحية تهدد سلامتهم. كما أن ارتفاع درجات الحرارة له انعكاسات على أداء الأجهزة الإلكترونية، وشبكة الكهرباء، وتوزيع الماء، ما يضاعف الضغط على البنيات التحتية الأساسية.
ورغم نشرات الإنذار المتكررة، لا تزال مظاهر التكيّف مع هذا الوضع المناخي محدودة، سواء على مستوى البنايات أو في نمط العيش اليومي. ويطرح هذا الوضع تساؤلات متجددة حول مدى جاهزية السياسات العمومية لمواكبة تحولات مناخية باتت أكثر حدة وانتظامًا، ولم تعد مجرد استثناء موسمي.
وفي ظل هذه الظروف المناخية القاسية، تبرز الحاجة إلى التزام جماعي بالتدابير الوقائية لمواجهة الحرارة والجفاف، من خلال تقليص استهلاك الماء في الأنشطة غير الأساسية، واستعمال طرق التبريد الطبيعية، والحرص على ترشيد استعمال الكهرباء خلال فترات الذروة. كما يُنصح بتفادي الخروج خلال ساعات الظهيرة، والإكثار من شرب السوائل، وتوفير الحماية اللازمة للأطفال والمسنين. على المستوى الجماعي، تبقى الدعوة قائمة لتسريع إنجاز مشاريع التكييف المناخي، وتعزيز الحماية الاجتماعية للسكان المتضررين، وتفعيل دور الجماعات المحلية في توفير الوسائل الأساسية للتخفيف من آثار الطقس القاسي.