تخفيض أسعار الأدوية بين مطلب العدالة الصحية وموقف الصيادلة

أثار الإعلان الذي قدّمه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، بمجلس النواب، حول التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد يهدف إلى خفض ملموس في أسعار الأدوية، جدلاً واسعاً داخل قطاع الصيدلة. فرغم الطابع الإيجابي لهذه الخطوة التي تسعى إلى تحقيق العدالة الدوائية وتعزيز ولوج المواطنين إلى العلاجات، خرجت بعض الهيئات الممثلة لمهنيي القطاع بانتقادات حادة، معتبرة أن المشروع صيغ دون إشراكها وبعيداً عن مقترحاتها.

هذا الموقف يطرح أكثر من علامة استفهام. فبدل الانخراط في النقاش من زاوية المصلحة العامة، ركزت الكونفدرالية النقابية لصيادلة المغرب على التخوف من “انعكاسات اقتصادية” على استقرار المهنة، محذّرة مما وصفته بالمساس باستمرارية الخدمات الصيدلانية. والحال أن المواطن البسيط، الذي يرزح تحت وطأة أسعار أدوية تفوق في كثير من الأحيان قدرته الشرائية، ينتظر من الصيادلة أن يكونوا في طليعة المدافعين عن حقه في العلاج، لا أن يتحولوا إلى قوة ضغط تضع المصلحة المهنية فوق المصلحة الوطنية.

الأدهى من ذلك أن المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب سبق أن رفض مناقشة أسئلة برلمانية حول موضوع أسعار الأدوية، معتبراً القضية “شأناً سيادياً” لا يليق أن يكون موضوع نقاش سياسي. وهو طرح يفتقر إلى المنطق الديمقراطي، إذ كيف يمكن اعتبار صحة المواطنين قضية استراتيجية لا يجوز مناقشتها تحت قبة البرلمان، في حين أن البرلمان هو المؤسسة المخولة دستورياً لمناقشة السياسات العمومية المرتبطة مباشرة بحياة المغاربة.

صحيح أن توازنات سوق الدواء معقدة وتحتاج إلى رؤية شمولية تشمل التصنيع المحلي، وضبط هوامش الربح، وضمان استمرار الصيدليات في أداء دورها الحيوي. لكن التلويح الدائم بفزاعة “تهديد استقرار المهنة” لا يمكن أن يكون مبرراً لتعطيل أي إصلاح يمس جيوب المغاربة ويخفف عنهم أعباء المرض.

إن مشروع المرسوم الجديد، يندرج ضمن رؤية أوسع تهدف إلى تحسين ولوج المواطنين للأدوية وترشيد نفقات التأمين الصحي الإجباري، وهو ما يعني السعي لإرساء توازن صحي ومالي على المدى الطويل. لذلك، فإن محاولة بعض الهيئات المهنية تقديم أنفسها كضحايا لتغييب التشاور، في وقت يئن فيه المواطنون تحت وطأة أسعار الأدوية الباهظة، تبدو محاولة لخلط الأوراق وتغليب حسابات ضيقة على حساب المصلحة العليا.

إن اللحظة تستدعي من مهنيي الصيدلة أن يتحلّوا بروح المسؤولية الوطنية، وأن يشاركوا في صياغة إصلاح حقيقي يضمن ديمومة القطاع ويحقق العدالة الدوائية معاً، بدلاً من تبني خطاب التحفظ والاعتراض. فالمعركة الحقيقية اليوم ليست معركة هوامش ربح، بل معركة إنقاذ حق المغاربة في الولوج إلى الدواء بكرامة.

Exit mobile version