أثارت تصريحات وزير الصحة، أمين التهراوي، حول دعم المصحات الخاصة موجة جدل واسعة في الأوساط الصحية والسياسية بالمغرب، لتفتح النقاش حول دور الدولة في دعم القطاع الخاص وضرورة الشفافية في إدارة المال العام.
في فاتح أكتوبر 2025، وخلال جلسة مباشرة أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أعلن الوزير تعليق أي دعم حكومي للمصحات الخاصة، موضحًا أن “هذه المصحات لا تحل المشاكل، بل تعقدها، من خلال تمركزها أمام المستشفيات الجامعية وجذب المرضى إليها”. هذا التصريح أثار فورًا تساؤلات حول حجم وطبيعة هذه الإعانات والأساس القانوني لمنحها، إضافة إلى قائمة المصحات المستفيدة.
ردًّا على تصريحات الوزير، وجه عبد الله بوانو، رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية، سؤالًا كتابيًا طالب فيه بتقديم معلومات دقيقة حول الإعانات، ومقدارها وطبيعتها، والقانونية التي استندت إليها، وكشف قائمة المؤسسات المستفيدة. هذا التساؤل جاء في وقت يشتد فيه الجدل حول التوازن بين تقديم الرعاية الصحية لجميع المواطنين ودعم المؤسسات الاستثمارية الخاصة، ما يعكس التوتر بين المصلحة العامة وحقوق المستثمرين.
في 6 أكتوبر، سارعت الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة (ANCP) ومجموعة أكديطال إلى نفي أية استفادة من دعم حكومي، مؤكّدتين أن نشاطهما يعتمد على التمويل الذاتي والقروض البنكية وآليات السوق المالية، بعيدًا عن أي تمويل عمومي مباشر أو غير مباشر. هذا النفي وضع الوزير أمام تحدٍ كبير، إذ بات من الضروري توضيح موقفه أو الاعتراف بعدم دقة تصريحاته، لضمان مصداقية الوزارة أمام الرأي العام.
في الليلة نفسها أي 6 أكتوبر، تمت استضافة الوزير التهراوي لبرنامج تلفزيوني خاص، فتحدث المسؤول الحكومي عن القطاع معترفا بالاختلالات الكبيرة، التي تطاله مثل غياب بعض الأدوية الأساسية وتعطل تجهيزات طبية مهمة، كما تحدث عن فساد في عدد من جوانب القطاع الصحي، إلا أنه لم يشر إلى مسألة دعم المصحات الخاصة، خصوصًا وأن البرنامج جرى تسجيله، بعد السؤال الكتابي للنائب عبد الله بوانو.
المشهد الحالي يعكس أزمة ثقة متبادلة بين الوزارة والقطاع الخاص. الدولة تسعى لضبط منظومة تعتبرها متضخمة وغير متوازنة في توزيع الخدمات الصحية، فيما يشعر المستثمرون في القطاع الصحي بأنهم يُحمَّلون مسؤولية أعطاب هيكلية لم يكونوا طرفًا فيها، رغم مساهمتهم بنحو 40% من الطاقة الاستشفائية الوطنية.
المصحات الخاصة تجد نفسها في موقف دفاعي، مطالبة بإثبات براءتها من أي “امتيازات” لم تتلقها، بينما كان الأجدر بالوزارة تقديم معطيات دقيقة وموثقة لدعم خطابها، حفاظًا على مصداقيتها.
الرهان الحقيقي يكمن في الشفافية والمساءلة: الكشف عن من استفاد فعليًا من المال العام، وضع معايير واضحة لتحديد الاستفادة، وضمان مراعاة مصلحة المواطن قبل أي اعتبارات أخرى.
وحتى صدور رد رسمي وموثق من الوزير، تبقى ثقة المواطن في المؤسسات الصحية على المحك، والحل يمر عبر شراكة حقيقية، بين الدولة والمواطن والقطاع الخاص، قائمة على الوضوح والشفافية والمساءلة، وليس على الشكوك والاتهامات.