
نشأ جيل Z في قلب العصر الرقمي، بين الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة، وهو الجيل الذي كتب أولى حروفه على الشاشات، وتعلّم أسرار العالم عبر الإنترنت قبل أن يكتشف معنى السبورة والطباشير. بالنسبة له، الكتابة بالقلم مجرّد عبء مدرسي، وخط اليد الجميل لم يعد قيمة مضافة كما كان في أذهان الأجيال السابقة التي كانت تسعى جاهدة لتحسين خطوطها طلباً لرضا المعلّمين أو للحصول على نقاط إضافية.
اختار جيل Z مسارات بديلة للتعلّم، فاستفاد من الإنترنت ليتقن التجارة الإلكترونية، والتداول الرقمي، وفتح حسابات دولية، والدخول إلى عوالم العملات المشفّرة. غير أنّ كثيراً من هذه المهن الجديدة لم تجد بعد اعترافاً رسمياً، وظلّت في مناطق رمادية بين القانون والواقع.
جيل Z هو الجيل الذي تُسند إليه الأجيال الأكبر مهمة إصلاح عطل في الهاتف الذكي، فينجزها بحركتين سريعتين. وهو الجيل الذي تصالح مع فكرة الموت الافتراضي داخل الألعاب الإلكترونية، حيث تُقطع أطرافه ويعود مجدداً إلى الحياة، وكأنّ فقدان الدم أو الجرح ليس سوى لحظة عابرة. لكنه حين كبر، بدأ يدرك أنّ الموت في المستشفيات ليس موتاً رقمياً قابلاً للاسترجاع، وأنّ الجرح في الواقع يحتاج علاجاً مكلفاً وشاقاً لا يشبه الضغط على زرّ.
نما هذا الجيل في عالم ذكي، فصار أكثر اتصالاً، وأكثر سرعة في التفاعل مع المستجدات. لكنه أيضاً جيل منقسم: هناك فئة استفادت من الطفرة الرقمية، وهناك أخرى، في الأحياء الهامشية والمغرب المنسي، لم تصلها ثمار هذا التحوّل، وظلّت بعيدة عن هذه الأدوات، لأن الحكومات المتعاقبة لم تضع هذا الجيل في صلب سياساتها العمومية.
حكومة التحضير للمونديال أسقطت من حساباتها أن هذا الجيل، الذي كبر ولديه الأدوات الكافية للحصول على المعلومة من مصادره الخاصة. هؤلاء الشباب لا ينتظرون البيانات الرسمية التي يتلوها الناطق باسم الحكومة أمام مقاعد فارغة، بل يتقاسمون ما يهمّهم في فضاءات رقمية مغلقة، بعيداً عن فيسبوك أو إنستغرام، وبعيداً أيضاً عن وهم “الظهور”.
جيل Z لم يعد جيل الصمت ولا الطاعة العمياء، يُواجه التضييق أو التهميش، بأدواته الرقمية التي تمنحه القدرة على التعبير، وعلى صناعة فضاءات بديلة خارج سيطرة المؤسسات الرسمية.
القمع وتكميم الأفواه لم يعد قادراً على إسكات صوت جيل اعتاد أن يقول كلمته في منصات لا تعترف بالرقابة التقليدية، جيل يرى في الحرية حقاً أصيلاً لا مِنّة، وفي التواصل قوة تتجاوز الحدود والجغرافيا.
إنّ جيل Z، الذي خرج من الافتراضي إلى الواقعي، يفرض اليوم أسئلته: كيف يمكن إدماجه في السياسات العمومية؟ كيف يمكن استثمار طاقاته الرقمية بدل تركه بين مطرقة البطالة وسندان التهميش؟ وكيف يمكن جعل “الذكاء” الذي عاشه في العالم الافتراضي جسراً لبناء واقع أكثر عدلاً وابتكاراً؟