بعد النجاح الكبير الذي حققته بأغنيتها “ها وليدي”، تعود الفنانة خولة مجاهد (جيلان) بعمل جديد يحمل اسم “خمسة وخميس”، وهو تكريم بصري وموسيقي مؤثر للمرأة المغربية وتراثها غير المادي.
هذا العمل لا يصل كأغنية فحسب، بل كتجربة ثقافية تتقاطع فيها الموسيقى مع الموضة، والصوت مع الذاكرة، وصورة المرأة المغربية مع رموزها الخفية، حين تمتزج الموسيقى بالذاكرة، وتتقاطع الأزياء مع التاريخ، يمكن لعمل فني واحد أن يتحول إلى هوية تاريخية.
يمزج العمل بين الأصوات الشعبية الأصيلة وتراث العيطة، من خلال استخدام آلات مثل العود، الوتار، الكمان والبندير، مع تسجيلات صوتية مباشرة تمنح الأغنية عمقاً ودفئاً خاصاً. وتظهر جيلان في هذا العمل بنبرة غنائية أكثر تجسيداً وبحثاً عن الأصالة الفنية.
من الناحية الموسيقية، يتعمق العمل في البنية التصويرية، فيكمل الرحلة من خلال رؤية إخراجية لفريد المالكي الذي اختار موقع شلاه الأسطوري فضاء يختزن ذاكرة شخصية لعائلة الفنانة بقدر ما يشكل معلمة تاريخية مغربية، حيث يصبح المكان خلفية لقصة مرئية تستدعي الماضي وتعيد بناء الحاضر عبر أزياء وحركات وصور تجمع بين الرزانة والجمال.
يشكل حضور المصممة بوشرا إنوكر في المشروع بعداً توثيقياً أساسيا بحكم عملها الطويل في حماية اللباس المغربي التقليدي من التحريف والاستيلاء الثقافي. الملابس التقليدية التي تظهر في المقطع ليست زينة تعرض من باب الفولكلور، بل مادة توثيقية حيّة. حيث جمعت بوشرا إنوكر ما يقارب عشرين زيا من كل جهات المملكة: من القفطان الفاسي المطرز، إلى حايك السوسدي، إلى الملحفة الصحراوية، والكسوة الكبيرة.
إلى جانب الأرشفة، تبرز البصمة الإبداعية المعاصرة عبر أعمال فاتي ميز وأمال بنعاد. الأولى وقّعت ثلاثة إطلالات تجسد تفاعلا بين الحرفية المغربية والفن المعماري والزخارف التقليدية، مع توظيف تطريزات قديمة كانت تُستخدم في الأثاث والنعال وسروج الخيل، في محاولة لإحياء تقنيات نادرة. الثانية صاغت لوحة لونية قوية مستوحاة من التيراكوتا والزعفران والبرغندي، وجعلت من حضور الراقصات باللون العنابي إعلاناً بصرياً عن قوة الأنوثة المغربية.
هذا العمل الجماعي لا يقف عند حدود الموسيقى، بل يشكّل حدثا ثقافيا يطمح إلى إعادة إدماج التراث المغربي في الحاضر. جيلان، في نيتها الفنية، ترى أن الصورة يجب أن تكون امتدادا لصوتها، وأن التوازن بين الحداثة والتقاليد ليس مجرد خيار جمالي بل هو ضرورة تعبّر عن هوية كاملة. لذلك تتعامل مع الأزياء كأدوات سرد، ومع الألوان كخطاب، ومع كل لقطة كجسر بين الماضي والآن.
