تستعد شركة “ريڤولوت” (Revolut)، أحد أكبر البنوك الرقمية في أوروبا، لدخول السوق المغربية في خطوة يُرتقب أن تُحدث تحولًا عميقًا في المشهد البنكي الوطني. ورغم أن تفاصيل الإطلاق لم تُعلن رسميًا بعد، إلا أن التحركات الأخيرة للشركة، التي شملت تعيين مدير عام مغربي وإطلاق مرحلة تحضيرية للسوق، تُؤكد نيتها التوسع إلى المملكة واستكشاف فرص النشاط ضمن إطارها القانوني والمالي.
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه القطاع البنكي المغربي دينامية قوية نحو الرقمنة، ما يجعل دخول فاعل عالمي بحجم “ريڤولوت” حدثًا بارزًا في مسار تحديث الخدمات البنكية. بفضل نموذجها القائم على تطبيق رقمي شامل، وتعدد العملات، والشفافية في الأسعار، يتوقع أن تُعيد “ريڤولوت” تعريف تجربة الزبون المغربي، خصوصًا في ما يتعلق بالتحويلات الدولية، التي غالبًا ما تخضع لرسوم مرتفعة وهوامش صرف غير واضحة. فالنظام الذي تعتمده الشركة يسمح للمستخدم بامتلاك حساب واحد يضم عدة عملات، وإرسال الأموال إلى الخارج بأسعار صرف قريبة من السوق، وبتكاليف منخفضة ومعلنة مسبقًا.
ويُنتظر أن يستفيد من هذا النموذج بالأساس مغاربة العالم، الذين يُعانون من كلفة التحويلات التقليدية، إلى جانب فئات المسافرين والمهنيين الذين يتعاملون بشكل متكرر بالعملات الأجنبية. كما تتيح بطاقات “ريڤولوت” للمستخدمين الدفع أو السحب بالدرهم داخل المغرب بسهولة عبر الشبكات البنكية العالمية، والتحكم الكامل في البطاقة عبر التطبيق، بما في ذلك تجميدها أو إنشاء بطاقات افتراضية مؤقتة، إلى جانب تلقي تنبيهات فورية لكل عملية وإنشاء تقارير دقيقة لتتبع المصاريف.
ويرى مراقبون أن دخول “ريڤولوت” سيُحدث ضغطًا تنافسيًا واضحًا على البنوك المغربية التي، رغم تقدمها في مجال الخدمات الرقمية، ما زالت تعتمد نموذجًا تقليديًا قائمًا على الوكالات المادية والإجراءات الورقية. فمجرد وجود فاعل دولي رقمي بالكامل، يتميز بسرعة العمليات ووضوح التسعير، قد يدفع المؤسسات المحلية إلى مراجعة سياستها التسعيرية وتجربة زبنائها الرقمية.
وتختلف “ريڤولوت” عن البنوك المغربية في طبيعتها وهويتها التقنية؛ فهي وُلدت رقمية بالكامل، حيث تُدار جميع العمليات من فتح الحساب إلى تتبع المصاريف عبر الهاتف الذكي، دون الحاجة إلى زيارة وكالة أو توقيع أوراق. كما تعتمد نموذج اشتراكات واضحًا يتضمن خطة مجانية وأخرى مدفوعة مقابل مزايا إضافية، ما يجعل العلاقة مع الزبون أكثر مرونة وشفافية.
غير أن دخول “ريڤولوت” إلى السوق المغربية يظل مشروطًا بالحصول على التراخيص الضرورية من بنك المغرب، الذي يُشرف بدقة على كل نشاط يتعلق بالدفع أو استقبال الودائع. ويُرجّح خبراء أن تبدأ الشركة عملها في المملكة بصيغة “مؤسسة أداء” تسمح لها بتقديم خدمات التحويل والصرف دون ممارسة الأنشطة البنكية الكاملة. هذا النهج التدريجي يُعتبر الأكثر واقعية، إذ يتيح للسلطات المالية المغربية مراقبة التجربة وضمان توازن المنافسة واستقرار النظام المالي.
ويُجمع المراقبون على أن “ريڤولوت” إن نجحت في دخول السوق المغربية، فستفتح صفحة جديدة في تاريخ الخدمات البنكية بالمغرب، وستُسهم في ترسيخ ثقافة مصرفية رقمية تقوم على السرعة، الشفافية، والتجربة الموحّدة بين المستخدم والعالم المالي.
