الأخبارثقافة

في حضرة القصري، حين يتماهى الوجدان الكناوي مع روح إفريقيا

في كل دورة من دورات مهرجان الصويرة،  كناوة وموسيقى العالم، يفرض اسم المعلم حميد القصري نفسه كجزء لا يتجزأ من هذا الحدث الثقافي. حيث لا يقتصر الأمر على مشاركة فنية، بل بطقس متجذر، يحمل عبق الروح والذاكرة. على منصة مولاي الحسن، يستعيد “المعلم القصري” حضوره الذي ألفه الجميع، حضور يشبه العودة إلى الديار بعد غياب طويل.


خلال هذه الدورة، لم يكتف المعلم حميد القصري بإطلاق الشرارة الأولى لمهرجان كناوة. بل تحوّل عرضه إلى رحلة صوفية تمزج بين القدسي والجمالي. برفقته، حضرت فرقة “باكالاما” من السنغال، لتضخ دماء إفريقية نابضة في جسد الإيقاع الكناوي. على الخشبة، نبضت الأجساد بالحركة، وتفجّرت ألوان أفريقيا من خلال الأزياء، وتحولت الطبول إلى نبض جماعي يوحّد القلوب قبل الخطى.

وسط هذا الزخم، تألّقت صوتان نسائيان بإحساس نادر. عبير العابد، في أول مشاركة لها بالمهرجان، أسرت الجمهور بصوت نقي يحمل دفء التجربة، بينما أضاءت كيا لوم، القادمة من غرب إفريقيا، الأمسية بأداء عاطفي عميق يلامس جوهر الوجدان، كما لو أنها تحفر أغنيةً على جلد الذاكرة.

ورغم كل هذا التنوع والغنى، يبقى حميد القصري هو النواة الصلبة لهذه التظاهرة الفنية. بثباته وكرمه الفني، يُثبت مجددًا أنه ليس فقط حافظًا لهذا التراث، بل مجدده أيضًا. فكل مرة يعتلي فيها المسرح، يمنح الحياة لروح كناوة من خلال الانفتاح على الآخر، مؤكدًا أن التراث لا يعيش في المتاحف، بل في اللقاء والتفاعل.

زر الذهاب إلى الأعلى