
صدر حديثًا عن الباحث والمهندس المعماري عبد الغني خلدون كتاب بعنوان “بجعد، التراث العمراني والمعماري للمدينة العتيقة”، وهو عمل موسوعي يوثق تاريخ واحدة من أقدم المدن المغربية التي طالما بقيت في الظل، رغم غناها الحضاري والثقافي.
الكتاب ثمرة سنوات من البحث الميداني والدراسة الأكاديمية، يشكل مرجعًا شاملاً حول تطور المدينة العتيقة لبجعد، منذ تأسيسها في القرن السادس عشر على يد الصوفي بوعبيد الشرقي، إلى غاية تحوّلاتها المعمارية والاجتماعية المعاصرة.
يستعرض المؤلف من خلال فصول متعددة المكونات الأساسية للتراث العمراني للمدينة، من الزوايا والمساجد والحمامات التقليدية، إلى الأفران والأحياء والأسواق، مع إضاءة خاصة على التناسق الجمالي والتنظيم المجالي الذي طبع تخطيط المدينة العتيقة. ويبرز الكتاب المكانة الروحية والثقافية التي احتلتها بجعد تاريخيًا، ودورها كملتقى للحجاج والعلماء والصناع التقليديين، ما جعلها قطبًا دينيًا وثقافيًا مؤثرًا لقرون طويلة.
ويُعزز هذا العمل بمادة بصرية غنية تشمل صورًا فنية لجمال المرسلي الشرقاوي، ورسومات من إنجاز كورين لومور وميسان وهابي، ما يضفي عليه بُعدًا توثيقيًا وجماليًا في آن. هذه الإضافات تُمكّن القارئ من استكشاف تفاصيل معمارية دقيقة غالبًا ما تغيب عن الأنظار، مثل زخارف النوافذ، والأرصفة الحجرية، والأبواب العتيقة التي تحتفظ بذاكرة المدينة.
في مقدمة الكتاب، يستعرض خلدون السياق الجغرافي والتاريخي لتأسيس بجعد، مبرزًا موقعها كمفترق طرق بين المدن التاريخية الكبرى، ودورها المركزي في إشعاع الزاوية الشرقاوية. ويخصّص جزءًا مهمًا من العمل للدعوة إلى الحفاظ على هذا التراث المهدد بالتدهور، مشددًا على ضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لترميم النسيج العمراني وصون ذاكرة المدينة، ومؤكدًا على طموح تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
ويُعد هذا الكتاب أكثر من مجرد دراسة معمارية؛ إنه شهادة حب وارتباط عميق بمدينة ما تزال تحتفظ بروحها، رغم قسوة الزمن والتغيرات الحضرية. كما يشكل دعوة مفتوحة للباحثين والزوار والفاعلين في مجال التراث لاكتشاف بجعد، والالتفاف حول مشروع إنقاذها من الإهمال.
“بجعد، التراث العمراني والمعماري للمدينة العتيقة”، هو إصدار يُعيد الاعتبار لمدينة تستحق أن تُروى قصتها، وتُصان ذاكرتها، وتُدرج ضمن خريطة المدن التاريخية المغربية ذات القيمة الاستثنائية.