أثارت مذكرة صادرة عن وزارة الداخلية موجة توتر غير مسبوقة داخل الخزينة العامة للمملكة، بعد أن فرضت آجالًا وُصفت بـ”غير الواقعية” لإخلاء مقرات، ونقل صلاحيات، وتحريك موظفين، في خطوة اعتبرتها النقابات تحولًا إداريًا مفاجئًا يهدّد باندلاع إضراب وطني. التدخل العاجل لوزارة الاقتصاد والمالية خفّف حدّة الاحتقان، بعدما قدّم ضمانات مكتوبة لإعادة فتح قنوات الحوار.
وتعود بداية الأزمة إلى تعميم أصدره عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، موجّه إلى الولاة والعمال، يطالبهم بتنفيذ “فوري وإلزامي” لعملية تحويل تدبير الجبايات المحلية من الخزينة العامة إلى الجماعات الترابية. المذكرة تحدد نقلًا شبه كامل للاختصاصات، باستثناء ثلاث ضرائب هي، المهنية والسكن والخدمات الجماعية، التي ستظل مؤقتًا بيد الدولة. كما تحدد إحداث 92 قباضة جماعية جديدة، مع تحديد مواقعها سلفًا في الوثائق المرفقة.
الموظفون اعتبروا المذكرة أشبه بـ”أمر بالإخلاء”، إذ تلزم بإفراغ المباني المرتبطة بالخزينة في أجل أقصاه ستة أشهر، مع “تحرير فوري” للمقرات المخصصة للقباضات الجديدة. وامتد الضغط ليشمل نقل الأرشيف والأنظمة المعلوماتية والملفات الجارية، وإنجاز محاضر رسمية لتسليم المهام. كما تضمّن القرار لائحة تضم 335 موظفًا موجهين إلى تكوين إلزامي ابتداءً من 17 نونبر، تمهيدًا لربطهم إداريًا برؤساء الجماعات، وهو ما اعتبرته النقابات “ترحيلًا قسريًا” خارج وزارة المالية.
هذا الوضع دفَع النقابة الوطنية الديمقراطية للمالية (UMT) إلى التحذير من «هزة إدارية» غير مسبوقة، والتلويح بإضراب وطني واعتصام يوم 27 نونبر. ورغم ذلك، أعادت اجتماعات طارئة عقدتها وزارة الاقتصاد والمالية يومي 17 و19 نونبر التوازن إلى المشهد. النقابة أعلنت حصولها على ضمانات مكتوبة تؤكد الحفاظ على الحقوق المكتسبة والمسارات المهنية للموظفين، مع التأكيد على أن وضعهم رهن إشارة الجماعات سيتم في إطار قانوني محكم يضمن عدم المساس باستقرارهم الوظيفي.
واتُّفق أيضًا على إحداث لجنة مشتركة تضم المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية، لتأمين انتقال تدريجي ومنسجم يراعي خصوصية موظفي الخزينة العامة، بعيدًا عن التطبيق الجامد للتعليمات الأولى.
وعقب هذه الالتزامات، أعلن الموظفون تعليق خطواتهم الاحتجاجية وتجميد الاعتصام المقرر، في انتظار مذكرة تفسيرية من الوزارة تحدد بدقة مسارات وسيناريوهات نقل الصلاحيات.
ورغم انحسار التوتر، تبقى المخاوف قائمة، خصوصًا مع إصرار وزارة الداخلية على تسريع ورش الاستقلال المالي للجماعات الترابية، في مقابل ضرورة الحفاظ على توازن اجتماعي داخل واحد من أكثر القطاعات حساسية في المنظومة الإدارية.
