
انطلقت مساء أمس الأحد 1 يونيو 2025 في مدينة مراكش أشغال ملتقى “إبراهيم لنهاية الأسبوع حول الحكامة”، الذي تنظمه سنوياً مؤسسة “مو إبراهيم”، تحت الرعاية الملكية لجلالة الملك محمد السادس. وشهدت النسخة الحالية حضوراً لافتاً لشخصيات دولية وقارية مرموقة في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، مما يعكس المكانة الاستراتيجية للمغرب كقوة ناعمة صاعدة في إفريقيا.
شهد اليوم الأول من الملتقى، الذي يستمر حتى 3 يونيو الجاري، عقد خمس جلسات عمل تناولت أبرز التحديات التي تواجه القارة الإفريقية، مع تركيز خاص على قضايا التمويل والتنمية المستدامة. وقد اتسمت النقاشات بالجدية والعمق، حيث طرح المشاركون رؤى متباينة حول سبل إصلاح النظام المالي الدولي.
في منعطف مهم من الجلسة الافتتاحية، تمت تلاوة الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين. وقد حظيت الرسالة باهتمام بالغ من الحضور، حيث شددت على ضرورة “إعادة هيكلة النظام المالي الدولي ليكون أكثر إنصافاً للدول النامية”. وجاء في الرسالة: “إن تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا يتطلب جرأة في تغيير النماذج القائمة”، مؤكدة على أهمية “تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول الجنوب كبديل عن النموذج التقليدي القائم على المساعدات”.
وفي افتتاح منتدى إبراهيم للحكامة 2025 في مراكش، شدد الدكتور محمد إبراهيم على الحاجة الملحة لأن تتبنى أفريقيا حلولاً مبتكرة ومستقلة وشاملة لمواجهة تحديات التنمية، مشيرا إلى أن الأمن والسلام هما الأساس الذي لا غنى عنه لأي نمو عادل ومستدام. وفي مواجهة النزاعات المستمرة والأزمات متعددة الأبعاد، دعا محمد إبراهيم صانعي القرار إلى إعطاء الأولوية للحكامة الصارمة القائمة على المشاركة والشفافية. ويرى أن اتباع نهج شامل هو وحده الكفيل بتعزيز الاستقرار وجذب الاستثمارات وإطلاق العنان لإمكانات أفريقيا.
من جانبه، حث جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي، أوروبا على إعادة النظر في نظرتها إلى أفريقيا ودعم تنميتها بشكل كامل بما يتجاوز منطق الهجرة. يستضيف الملتقى شخصيات مرجعية من مختلف المشارب، من بينها نغوزي أوكونجو-إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، وتيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وموسى فقي محمد، الرئيس السابق لمفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى جانب شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية من الصف الأول.
ويمنح هذا الحضور الرفيع للمغرب موقعا فريدا كجسر لتقاطع الإرادات السياسية والمالية حول إفريقيا، ويعكس قدرته على التوفيق بين أجندات دولية متباينة، ضمن رؤية إصلاحية تدعو إلى إعادة صياغة العلاقات المالية والتنموية بين الشمال والجنوب.
وتشكل نقاشات مراكش تمهيدا مباشرا للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FfD4) الذي سينعقد بإشبيلية في يوليوز 2025، وتسعى الدول الإفريقية من خلاله إلى تثبيت موقف موحد يدعو إلى إصلاحات جذرية في النظام المالي العالمي، وضمان ولوج منصف إلى التمويل، والتقليص من نزيف التدفقات المالية غير المشروعة، وإعادة التوازن في علاقات الشمال والجنوب.
وفي هذا السياق، يبدو أن المغرب، من خلال ديناميته الإصلاحية وحنكته الدبلوماسية، يسعى إلى ترسيخ نفسه كقاطرة للتوجه الإفريقي الجديد، بل وكـ”صوت حكمة” في مرحلة الغموض العالمي. اختيار مؤسسة بحجم “مو إبراهيم” المغرب لاحتضان أكبر تظاهرة سنوية للحكامة في إفريقيا، للمرة الثانية بعد دورة 2017، يعبّر عن تحول في خريطة النفوذ الناعم بالقارة، حيث يقدّم المغرب نفسه كقوة وازنة، لا بفضل عائدات النفط أو التفوق العسكري، وإنما عبر الكفاءة المؤسساتية، والاستقرار، والانخراط في بناء رؤية مستقبلية للقارة.