العدالة الجبائية في ظل التوزيع غير المتكافئ للضرائب
حصة TVA في المحاصيل الضريبية ترتفع من 23% إلى 32% في 20 سنة

خَلفَ الاستقرار النسبي للضغط الضريبي في المغرب، الذي يلغ 20.5 % من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2024 مقابل حوالي 20 % في سنة 2004، يختفي توجه صامت لإعادة توزيع ثقل التحمل الضريبي بين مختلف شرائح الملزمين، الشيء الذي يطرح بحدة مسألة العدالة الجبائية والأثر الاقتصادي والاجتماعي للضريبة.
فخلال هذه الفترة، ارتفع ثقل العبء الجبائي الذي تتحمله الأسر عبر الضريبة على القيمة المضافة إلى 6.67 % من الناتج الداخلي الإجمالي في 2024 مقابل 4.63 % في 2004، مع كل ما يمثله ذلك من أثر على القدرة الشرائية لأوسع الشرائح الاجتماعية وعلى التضخم. في نفس الوقت أصبحت الضريبة على الشركات تمثل حصة 4.78% من الناتج الداخلي الإجمالي بدل 3.75% في 2004، وعرفت محاصيلها خلال هذه الفترة نموا بنحو 9.17 في المتوسط السنوي، الشيء الذي من شأنه أن يؤثر على تنافسية الشركات المغربية وجاذبية المغرب للاستثمارات.
وخلال نفس الفترة، انخفض الضغط الجبائي على الدخل بشكل ملحوظ إذ نزلت نسبة محاصيل الضريبة على الدخل إلى 3.98 % من الناتج الداخلي الإجمالي في 2024 مقابل 4.44% في 2004. ويعزى هذا الانخفاض بشكل أساسي لضغط النقابات ونتائج الحوار الاجتماعي. ورغم أن هذا التطور الأخير يشير إلى تخفيف الضغط الجبائي على دخل الأسر، عند تلقي الأجر، إلا أن وقع الضريبة على القيمة المضافة والتضخم الناتج عنها ينتظر الأسر عند صرف دخلها المحدود، علما بأن دخل الأسر الذي يتكون في غالبيته من الأجور موجه بشكل أساسي للاستهلاك.
في 2024 بلغت المداخيل الضريبية 313 مليار درهم مقابل 88.3 مليار درهم في سنة 2004، وبلغ متوسط معدل نموها السنوي 6.8% خلال هذه الفترة. غير أن الأصناف الثلاثة للضرائب عرفت نموا متفاوتا خلال العشرين عاما الماضية، وبلغ متوسط معدل النمو السنوي 9.18% في المتوسط بالنسبة للضريبة على الشركات و9% بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، و6.4% بالنسبة للضريبة على الدخل. في حين لم يتجاوز المتوسط السنوي لنمو الناتج الداخلي الإجمالي 5.98% خلال هذه الفترة.
وتبرز إحصائيات الخزينة العامة للمملكة أن حصة الضريبة على القيمة المضافة من المداخيل الضريبة ارتفعت إلى 32.4% في 2024 مقابل 23.3% في 2004، وارتفعت حصة الضريبة على الشركات إلى 23.24% في 2024 مقابل 18% في 2004، في حين عرفت حصة الضريبة على الدخل من المحاصيل الضريبية انخفاضا من 22.3% إلى 19.3% من الناتج الداخلي الإجمالي خلال نفس الفترة.
وتكشف هذه المعطيات أن السياسة الضريبية تتجه إلى الارتكاز بشكل متزايد على الضريبة على القيمة المضافة، وتعمل على نقل ثقل الضغط الضريبي إليها طبقا لتوجيهات صندوق النقد الدولي. غير أن لهذا التوجه عواقب وخيمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فالضريبة على القيمة المضافة لها وقع مباشر على التضخم وارتفاع الأسعار، لأنها تأتي كزيادة على السعر. كما أن الحكومة التي تعطي الأولوية لجني المحاصيل الضريبية منها، من المنطقي أن تكون سياسيا مواتية لارتفاع الأسعار. فتحصيل 20% من سلعة ثمنها 1000 درهم أفضل بالنسبة إليها من أن يكون الثمن 500 درهم. لذلك فإن الحكومة تقبل وتتغاضى عن ارتفاع الأسعار. ويتجلى ذلك من خلال إبطال مراقبة الأسعار، واختفاء المصالح المكلفة بتلك المهمة من الأسواق بعد أن كانت حاضرة بقوة في الماضي. كما تتضمن هذه السياسة مخاطرة كبيرة بالنسبة للاستقرار الاجتماعي. صحيح أن المستهلك، بخلاف الموظف، ليست له نقابة، أو لوبي للضغط، بل هو مجرد قطرة ماء في محيط، أو الحيط القصير كما يقول المغاربة.
غير أن تراكم الضغوط الجبائية والتضخمية قيد يؤدي إلى تهييج المحيط، فتتحول درات الرمل إلى زوبعة كاسحة. والزوبعة ليس لها مقعد في لجنة الحوار الاجتماعي كالنقابات، بحيث يستحيل التفاوض معها. فحتى الزبدة التي كانت ترافق خبز الفقراء أصبحت اليوم في مستوى لم يعد في استطاعة الطبقة الوسطى نفسها. أما الخبز فلم يعد في متناول الفقراء، وهنا أتحدث عن خبز الدقيق الكامل الصحي، وليس عن ذلك الدقيق الرخيص منعدم الجودة والفائدة إن لم يكن مسموما بالنسبة للصحة البشرية.
وفي سياق هذا التوجه، أصبحت الشركات تضطلع بدور “محصل الضرائب”. فهي المكلفة بجمع مداخيل الضريبة على القيمة المضافة وتسليمها لإدارة الضرائب. وبسبب هذه المهمة تعاني المقاولات من العديد من التبعات. فبالنظر لاحتمالات التهرب من دفع الضريبة على القيمة المضافة والغش في التصريح بها، لجأت الحكومة إلى اتخاذ تدابير صارمة. وبهذا الصدد، سنت الحكومة مبدأ حجز مبلغ الضريبة على القيمة المضافة من المنبع من قبل الشركات في إطار تعاملها مع ممونيها. وأصبح مفروضا على الشركات القيام بالمراقبة الضريبية لممونيها ومطالبتهم بالإدلاء بشهادة الامتثال الضريبي.
وفي هذا السياق أيضا، وضعت الحكومة “قانونا جنائيا” لمراقبة تحصيل وتسليم الضريبة على القيمة المضافة من قبل الشركات. ولا يقتصر مجال تطبيق هذا “القانون”، وجزاءاته التي تصل إلى عقوبات سالبة للحرية، على الشركات وأصحابها فحسب، بل لحق أيضا حتى موظفيها الإداريين، الذين أصبحوا يتحملون المسؤولية “بالتضامن” مع المقاولات التي يشتغلون فيها فيما يخص جرائم التهرب الضريبي المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة. فما هو وقع هذه الإجراءات على جاذبية الاستثمار؟ مع كل ما يترتب عن ذلك من أتعاب ومتاعب إدارية بالنسبة للمقاولات.
هذا التوجه في السياسة الضريبية قد يعطي نتائج على المدى القصير من حيث حجم المحاصيل، لكن تكتنفه العديد من المنزلقات والمخاطر على المدى المتوسط والطويل.
منطقيا، فإن الاعتماد على الضريبة على الأرباح كأهم مورد جبائي، يتماشى مع سن سياسات لتشجيع الاستثمار والابتكار والمبادرات والمشاريع المربحة والمدرة للشغل والدخل. وفي نفس الاتجاه، فإن الاعتماد على الدخل كمصدر للموارد الضريبية يتطلب تشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل والدخل. أما الاعتماد على الضريبة على القيمة المضافة فيعني ضمنيا التحالف مع الغلاء ضد الرخاء. وهذا ما أصبح المغاربة يلمسونه بشكل يومي. وأصبحت الوضعية اليوم تتطلب إعادة النظر في السياسة الجبائية في اتجاه إرساء العدالة الضريبية، ورد الاعتبار للدور الاجتماعي للضرائب ومتطلبات النمو السليم والتنمية المستدامة.
قد يفتخر بعض التقنوقراطيين بالإنجاز الكمي الذي حققوه في حجم محاصيل الضريبة على القيمة المضافة، لكن ماذا عن الوقع الاقتصادي والاجتماعي وماذا عن الاستدامة. من جانب آخر يجدر أيضا النظر إلى النفقات الإدارية وسوء التدبير الذي تعرفه الإدارة المغربية، واستحضار الخطابات الملكية في هذا المجال.