الأخبارمال و أعمالملفات خاصة

جاهزية البنوك المغربية في أوروبا للوائح الاحترازية الجديدة

تقدم المغرب في اعتماد قواعد "بازل" يمنحه التكافؤ الأوروبي

على بعد سنة من انطلاق العمل باللوائح الأوروبية الجديدة حول تقنين وضبط النشاط البنكي (CRR3/CRD6)، المقرر في يناير 2026، توجد فروع البنوك المغربية في أوروبا في موقع جيد لولوج العهد الجديد بخلاف العديد من البنوك الدولية والأوروبية. فكل هذه الفروع المغربية، التجاري وفا بنك أوروبا، والشعبي بنك أوروبا، وبنك إفريقيا فرنسا، تتوفر على الجواز الأوروبي الذي يمكنها من ممارسة أنشطتها بكل حرية في سائر بلدان الاتحاد الأوروبي، كبنوك أوروبية. وبالتالي فهي غير معنية بكل التعقيدات التي ستواجهها بنوك الدول الأخرى التي تمارس أنشطتها في أوروبا بطريقة عابرة للحدود عبر فروع لا تتوفر على ترخيص بنكي. وتجدر الإشارة إلى أن تلك البنوك كانت تستفيد في السابق من إعفاءات ووضعيات استثنائية توفرها قوانين بعض البلدان الأوروبية. غير أن اللوائح الجديدة، في سياق سعيها لتوحيد الإطار القانوني لممارسة الأنشطة البنكية في أوروبا، قيدت هذه الاستثناءات بشكل كبير في اتجاه إلغائها، ومنعت البنوك الأجنبية من القيام بأنشطة بنكية عابرة للحدود، على غرار فتح اعتمادات أو تقديم ضمانات أو تلقي ودائع، عبر ملحقاتها في الفضاء الاقتصادي الأوروبي إلا في حالة تحويل هذه الملحقات إلى فروع بنكية، مع كل ما تكتنفه هذه العملية من تعقيدات في ظل الإجراءات المتشددة للوائح الجديدة.

من جهة أخرى، تتمتع البنوك المغربية بأوضاع مالية صلبة، ومؤشرات تفوق بشكل كبير متطلبات القواعد الاحترازية الأوروبية الجديدة، التي ترتكز على القواعد النهائية لاتفاقية “بازل 3”. فعلى سبيل المثال، يتوفر التجاري وفا بنك أوروبا على معامل ملاءة مالية (Ratio de Solvabilité) يناهز 20%، فيما تحدد اللوائح الأوروبية المستوى الأدنى لهذا المعامل في 14.5%، ويبلغ متوسطه لدى البنوك الأوروبية 15.5%. أما معدل السيولة على المدى القصير (LCR) لدى التجاري وفا بنك أوروبا فيصل إلى 1045%، في الحين أن المستوى الأدنى المطلوب من قبل اللوائح الأوروبية محدد في 100% الشيء الذي يمنح البنك المغربي هامشا كبيرا جدا. نفس الشيء فيما يخص معامل الاستقرار المالي (NSFR)، البالغ 230% لدى الفرع الأوروبي للتجاري وفا بنك، والمحدد سقفه الأندى في 100% في إطار القواعد الاحترازية الجديدة للاتحاد الأوروبي. وتبلغ الرافعة المالية (Levier) لفرع المجموعة البنكية المغربية 5.7%، مقابل 3% في اللوائح الأوروبية. وتجدر الإشارة إلى أن البنك الشعبي للمغرب في أوروبا وفرع بنك إفريقيا فرنسا، تتوفر بدورها على هامش كبير على مستوى هذه المؤشرات. لذلك لن يتطلب الانتقال إلى اللوائح الجديدة للقواعد الاحترازية الأوروبية من الفروع البنكية المغربية في أوروبا أي مجهود يذكر للمطابقة، لأنها بالفعل جاهزة ويتجاوز أدائها المستويات المطلوبة. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الأوروبية منحت للبنوك العاملة في إطار الفضاء الاقتصادي الأوروبي مهلة إضافية من يناير 2026 إلى يناير 2027 من أجل المطابقة مع هذه المعايير.

هذه الأهبة والاستعداد ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة تجربة بنكية طويلة في الفضاء الأوروبي واكبت خلالها البنوك المغربية كل التحولات والتطورات التي عرفها النظام البنكي للاتحاد على مدى عقود. وتجدر الإشارة إلى أن التواجد البنكي المغربي في أوروبا يعود إلى عقد الستينات، عندما قررت الحكومة المغربية إطلاق عملية واسعة النطاق في فرنسا لاستبناك العمال المغاربة بالخارج وتأطير تحويلاتهم عبر القرض الشعبي. وتمخضت هذه التجربة آنذاك عن إنشاء مندوبيات للقرض الشعبي في السفارات المغربية ابتداء من 1968، وانتهت إلى إنشاء البنك الشعبي للمغرب في فرنسا سنة 1972، كبنك أوروبي متكامل الأركان، والذي افتتح بعد ذلك فروعا في أهم البلدان الأوروبية. في سنة 1999 التحق البنك المغربي للتجارة الخارجية بالركب عبر إنشاء فرعه الدولي في مدريد، بترخيص من السلطات المالية الإسبانية. بعد ذلك أنشأ البنك المؤسسة المالية للخدمات BMCE Euroservices في 2012، والموجهة خصيصا لخدمة المغاربة المقيمين بالخارج، والحاصلة على الجواز الأوروبي. وقبل ذلك، في سنة 2005 افتتحت مجموعة التجاري وفا بنك فرعها الأوروبي في باريس على أساس ترخيص من السلطات المالية الفرنسية خولها بدورها جواز السفر الأوروبي. بالتالي يمكن القول أن أداء البنوك المغربية في أوروبا المتميز من حيث الجاهزية للمطابقة مع المعايير الجديدة هو نتيجة لهذه التراكمات المواكبة لتحولات الإطار التنظيمي الأوروبي، والتأقلم معها واستباق للارتجاجات التي يمكن أن تترتب عنها.

تحويلات المهاجرين، ما الذي سيتغير؟

بناء على امتياز الجواز الأوروبي من المستبعد أن يتأثر نشاط الفروع البنكية المغربية ودورها الذي تلعبه كجسر استراتيجي بين البنك الأم في المغرب والجالية المغربية في أوروبا، وهو الدور الأساسي الذي وجدت من أجله في الأصل. فباعتبارها “أبناك لخدمات قرب” خاضعة بالكامل للوائح التنظيمية الأوروبية، يمكنها تسهيل فتح حسابات بنكية بالمغرب لزبنائها انطلاقا من أوروبا، والعمل كنقطة اتصال محلية لتدبير علاقات الزبناء للبنك الأم عبر الحدود. التحفظ الوحيد هو عدم قيام هذه الفروع بالتوزيع المباشر لمنتجات البنك الأم في أوروبا دون موافقة وترخيص من السلطات البنكية الأوروبية (سلطة البلد الأوروبي المضيف، وسلطة الرقابة والإشراف الاتحادية).

غير أنه، مهما كان، فإن هذه المهمة لن تتأثر بأي شكل من الأشكال نظرا للانتقال الرقمي للأبناك المغربية، والإمكانيات المتاحة عبر تطبيقاتها لفتح حسابات عن بعد من أي نقطة في العالم. ومن خلال هذه الحسابات، والعروض المتوفرة على التطبيقات الرقمية، يمكن للزبون القيام بعمليات تحويل واستصدار بطاقات ائتمان وطلب قروض وغيرها من الخدمات.

الحصول على شهادة التكافؤ كهدف لبنك المغرب

إذا كانت الأبناك الطليعية الثلاثة في منأى عن التداعيات السلبية لدخول اللوائح التنظيمية الجديدة حيز التنفيذ، هناك بنوك مغربية أخرى لديها طموحات. وبسبب تعقد الإجراءات الجديدة وتشدد السلطات الأوروبية أصبح أمر افتتاح فرع أوروبي بالنسبة لها صعب للغاية. فضلا على ذلك فإن الامتياز الذي تتمتع به حاليا الفروع الموجودة الآن للبنوك المغربية في أوروبا، قد تتقلص دائرتها لسبب أو لآخر. فمثلا قد تتعرض المعاملات بين الفرع الأوروبي والشركة الأم في المغرب لرقابة متشددة، ومطالب عالية الدقة من حيث الإفصاحات المالية وشهادات المطابقة وغير ذلك. كما يمكن أن تتعرض مستقبلا لتقييدات. هنا يجد مبدأ “التكافؤ” الذي أقرته اللوائح التنظيمية الأوروبية الجديدة كل جدواه.

في هذا الإطار يمكن لبنك المغرب أن يتقدم بطلب الحصول على شهادة “تكافؤ” المنظومة المغربية للإشراف والرقابة البنكية وقواعدها الاحترازية وأدائها في مجال مكافحة تبييض الأموال، مع نظيرتها الأوروبية.

وتعد المفوضية الأوروبية الجهة المخولة اتخاذ القرار في منح “شهادة التكافؤ”، الشيء الذي يعطي هذه العملية طابعا سياسيا حاسما بالإضافة إلى طابعها التقني المتعلق بالقواعد الاحترازية. وتنص اللوائح على أن يكون ملف طلبها، مشفوعا بموافقة ودعم إحدى الدول الأعضاء. ويمكن في هذا الإطار للمغرب أن يعتمد على علاقاته السياسية القوية مع عدة دول أوروبية كبلجيكا وهولندا وفرنسا وإسبانيا. ومن خلال التجربة التاريخية، يتضح أن منح شهادة التكافؤ قد يلعب فيه البعد السياسي دورا أكبر من الجانب التقني، كما حدث مع بريطانيا بعد البريكسيت. فرغم التكافؤ الكبير لقواعد الاحتراز والتقنينات المصرفية، لم تمنح المفوضية الأوروبية هذا الامتياز للنظام البنكي البريطاني.

ويمنح الإشهاد بالتكافؤ من قبل المفوضية الأوروبية امتيازا كبيرا لبنوك البلد الذي يحصل عليه، إذ من شأنه أن يسهل الحياة بشكل كبير على البنوك المغربية، ويعفيها من العديد من الالتزامات المتشددة، وتسهيل معاملاتها العابرة للحدود، وتعزيز ثقة المؤسسات الأوروبية فيها، إضافة إلى تعزيز الاندماج المالي بين المغرب وأوربا.

بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المغرب يتوفر على العديد من المزايا التي تسهل عليه الحصول على التكافؤ، وعلى رأسها القانون الأساسي الجديد لبنك المغرب، الذي يكرسه استقلاليتها، وعلاقات التعاون والاتفاقيات التي تربطه بالهيئات الأوروبية المماثلة، والتقدم المحرز في مجال اعتماد قواعد “بازل” الاحترازية والإصلاحات التي ينفذها بنك المغرب في سبيل تعميقه، والانضباط الكبير للبنوك المغربية، الذي تشكل فروعها الأوروبية نموذجا حيا له في عقر دار الاتحاد الأوروبي، فضلا عن ذلك، منذ 2023 تم إخراج المغرب من اللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي المتعلقة بتبييض الأموال اعترافا بمجهوداته وفعاليته في هذا المجال. وإلى ذلك، يتطلب الحصول على شهادة التكافؤ الأوروبية تعبة شاملة خلف بنك المغرب ودعما سياسيا متعدد الأبعاد لملفه.

مقنع لحسن

زر الذهاب إلى الأعلى