محاكمة ساركوزي، القضاء يكتب سطراً جديداً في تاريخ الجمهورية الخامسة

تشكل إدانة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن خمس سنوات، ثلاث منها نافذة، في قضية تمويل حملته الانتخابية سنة 2007، لحظة فارقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، وربما في التاريخ السياسي الفرنسي برمته. فللمرة الأولى يجد رئيس سابق نفسه مهدداً بالزج خلف القضبان بعقوبة سالبة للحرية، بعدما اعتبرت المحكمة أن الوقائع المنسوبة إليه “خطيرة للغاية” وتمس جوهر العقد الاجتماعي القائم على ثقة المواطنين بممثليهم.
هذه الصدمة القضائية التي وصفتها الصحافة الفرنسية بـ”الزلزال السياسي”، وضعت اسم ساركوزي في خط تاريخي نادر مع شخصيتين فقط من قمة السلطة في فرنسا وُوجهتا بأحكام قضائية بالسجن هما الملك لويس السادس عشر، والمارشال فيليب بيتان، رئيس حكومة فيشي المتعاونة مع الاحتلال النازي، والذي حُكم عليه بالإعدام سنة 1945 قبل أن يُخفف الحكم إلى السجن المؤبد.
ومنذ بداية الجمهورية الخامسة، تراكمت الملفات القضائية لكبار القادة: رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون، في قضية الوظائف الوهمية لزوجته؛ وآلان جوبيه، في قضايا فساد وتمويل غير قانوني؛ ووزراء ومسؤولون بارزون مثل كلود غيان، وبرنار تابي، وبارتيك بلكاني، وصولاً إلى قضايا التحرش والاختلاس التي طالت وجوهاً وزارية. وحتى مارين لوبين، الزعيمة اليمينية المتطرفة، تواجه بدورها اتهامات باختلاس أموال عامة في البرلمان الأوروبي.
الحكم على ساركوزي لا يُقرأ فقط كإدانة شخصية، بل كإنذار شامل للنظام السياسي الفرنسي. إنه يطرح بحدة مسألة الحدود بين المال والسياسة، ويعيد النقاش حول أدوات الرقابة والشفافية في تمويل الحملات، كما يثير أسئلة حول صورة فرنسا في الخارج، حيث تُقدَّم عادةً كرمز للديمقراطية الحديثة. ما بين لويس السادس عشر وبيتان وساركوزي، تمتد خيوط سردية واحدة: أن قمة السلطة في فرنسا ليست في مأمن من عدالة التاريخ.
وإذا كان الحكم الأخير قد أعاد كتابة سطر جديد في هذه الذاكرة الثقيلة، فإنه يضع الجمهورية الخامسة أمام اختبار يطرح السؤال، كيف تستعيد ثقة مواطنيها في مؤسساتها السياسية، وكيف تحمي ديمقراطيتها من تلوث المال والفساد؟