يستعد المغرب لإطلاق إصلاح شامل وغير مسبوق لقانون الاستثمارات الفلاحية، في خطوة تهدف إلى تحديث الإطار القانوني المنظم للقطاع بعد أكثر من نصف قرن على صدور النص الأصلي سنة 1969. وتأتي هذه المبادرة في سياق وطني ودولي يعرف تحولات اقتصادية ومناخية ومؤسساتية عميقة، تسعى من خلالها وزارة الفلاحة إلى إرساء منظومة تشريعية حديثة قادرة على دعم الاستثمارات الخاصة ومواكبة التوجهات الكبرى للنموذج التنموي الجديد.
وأوضح مصدر من الوزارة أن الدراسة المرتقبة ستعتمد على تشخيص شامل للوضع الحالي، إلى جانب مقارنة مع التجارب الدولية الناجحة في مجال الاستثمار الفلاحي. ويهدف هذا العمل إلى إعداد إطار قانوني متكامل يعزز جاذبية القطاع ويوفر شروطاً أكثر مرونة وشفافية للاستثمار، مع ضمان التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
القانون الحالي، الذي يضم 49 نصاً تنظيمياً منها 17 ظهيراً و19 مرسوماً و13 قراراً وزارياً، ظل لسنوات يشكل العمود الفقري للسياسات الفلاحية بالمملكة، حيث يؤطر مجالات حيوية مثل تدبير المياه الزراعية والري، والتحفيز على الاستثمار، والتهيئة العقارية، والعلاقات بين الإدارة والفلاحين. غير أن التحولات الاقتصادية والبيئية التي عرفها المغرب خلال العقود الأخيرة، من انفتاح تجاري وتوسع للشراكة بين القطاعين العام والخاص، فرضت مراجعة هذا الإطار ليتماشى مع حاجيات المرحلة الجديدة.
الإصلاح المرتقب سيعمل على معالجة الثغرات التي أبانت عنها التجربة، وتبسيط المساطر القانونية والإدارية، وملاءمة المنظومة مع مبادئ الجهوية المتقدمة، إلى جانب إدماج مفاهيم حديثة كالشراكة العمومية-الخصوصية، والتحول الرقمي، والاستدامة البيئية. كما سيواكب الإصلاح أولويات الأمن الغذائي والتحول الطاقي والمائي، وتثمين الإنتاج الوطني، وخلق فرص الشغل في الوسط القروي لفائدة الشباب.
وستُنجز الدراسة وفق منهجية تقوم على ثلاث مراحل أساسية تشمل التشخيص والتحليل، ثم تحديد أولويات الإصلاح، فبلورة خطة تنفيذية واضحة تحدد الجدول الزمني وآليات الانتقال من الإطار الحالي إلى المنظومة الجديدة. ويرتقب أن يشكل هذا الورش أحد أهم التحولات التشريعية في تاريخ القطاع الفلاحي المغربي، وركيزة أساسية لجيل جديد من الاستثمارات يواكب أهداف التنمية المستدامة ويعزز مكانة المغرب كفاعل زراعي إقليمي صاعد.






