
التبوريدة، أو ما يُعرف بفنون الفروسية التقليدية، تمثل إحدى أعرق الصور الثقافية التي تجسد ارتباط المغاربة بالفروسية وما تحمله من قيم الأصالة والكرامة والشجاعة. ومن بين أشكالها المميزة تبرز التبوريدة الخياطية، التي اشتهرت بها قبائل الشاوية، لتمنح هذا التراث بعدًا متنوعًا يعكس غنى الهوية المغربية وثراءها الرمزي.
يقوم هذا الفن على عرض جماعي يعرف بـ”السربة”، يضم فرسانًا بلباس تقليدي موحّد، يقودهم “المقدم” الذي يتكفل بتنظيم الحركات وضبط الإيقاع، وصولاً إلى الطلقة النارية الجماعية الشهيرة التي تُعتبر لحظة الذروة في العرض. هذه الطلقة، بما تحمله من دقة وانسجام، تعكس روح الانضباط الجماعي وتعزز صورة الفارس المغربي كرمز للشجاعة والالتزام. وقد حظيت التبوريدة، بما في ذلك شكلها الخياطي، باعتراف دولي مهم حين أدرجتها منظمة اليونسكو سنة 2021 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، لتترسخ قيمتها الحضارية عالميًا.
وفي شهادته، يؤكد المقدم رشيد ناجي من مديونة قائلاً: “التبوريدة ليست مجرد عرض فرجوي، بل هي مدرسة في الانضباط وحب الأرض، ورسالة أمانة نحرص على نقلها للأجيال المقبلة بكل إخلاص وفخر.” كلماته تلخص جوهر هذا الفن الذي يتجاوز حدود الفرجة ليصبح وسيلة لتوريث قيم النبل والهوية.
وتتجدد مكانة التبوريدة كل عام في معرض الفرس بالجديدة، حيث تشكل عروض “التبوريدة” إحدى اللحظات الأكثر انتظارًا من طرف الجمهور. هناك، يلتقي الفرسان القادمون من مختلف مناطق المملكة ليعرضوا مهاراتهم أمام آلاف الزوار وضيوف المغرب من داخل وخارج البلاد. هذا المعرض لا يقتصر على إبراز جمالية التبوريدة فحسب، بل يوفر أيضًا فضاءً للتعريف بالثقافة الفروسية المغربية، وملتقى للحرفيين والباحثين والمهتمين بهذا التراث العريق.
إن التبوريدة الخياطية، بما تحمله من تقاليد عريقة وأبعاد روحية وثقافية، تظل رمزًا حيًا لذاكرة الشاوية-ورديغة، ومرآةً تعكس أصالة مجتمع ما زال يرى في الفروسية مدرسة للحياة ومصدرًا للفخر والاعتزاز الوطني.