سياسة “أمريكا أولاً” تستهدف تحويلات المهاجرين

كشفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيتها فرض ضريبة اتحادية بنسبة 3.5% على تحويلات الأموال التي يُجريها المهاجرون غير المواطنين الأمريكيين إلى بلدانهم الأصلية. وتأتي هذه الخطوة ضمن إطار مشروع قانون الميزانية الجديد المعروف باسم “One Big Beautiful Bill”، الذي يتماشى مع توجهات إدارة ترامب السابقة نحو تقليص المساعدات الخارجية وإعادة رسم أولويات الإنفاق الحكومي وفق منظور “أمريكا أولاً”.

الضريبة الجديدة، التي تُضاف إلى الرسوم المعتادة البالغة حوالي 6%، ترفع التكلفة الإجمالية لتحويل الأموال من الولايات المتحدة إلى الخارج إلى ما يقارب 10% من قيمة المبلغ المُحول، الشيء الذي يضع الولايات المتحدة في موقع متقدم بين الدول التي تفرض أعلى رسوم على التحويلات المالية ضمن مجموعة السبع.

تُعد هذه السياسة ذات تداعيات بالغة على دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تمثل تحويلات المغتربين شرياناً حيوياً للاقتصاد. في بلدان مثل نيجيريا، والسنغال، وليبيريا، تُعد هذه التحويلات مصدر دخل أساسي لعشرات الآلاف من الأسر، وتُسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تصل إلى نحو 19% في حالة ليبيريا.

ووفقاً لتقرير البنك الدولي، بلغت قيمة التحويلات إلى إفريقيا جنوب الصحراء في 2024 نحو 56 مليار دولار، أكثر من 17% (10 مليار دولار) منها جاءت من الولايات المتحدة. بذلك، فإن السياسات الأمريكية المتعلقة بالتحويلات لا تؤثر فقط على الأفراد، بل على استقرار اقتصادي أوسع في القارة.

يرجّح مراقبون أن تؤدي هذه الضريبة إلى إعادة توجيه التحويلات عبر قنوات غير رسمية، مثل العملات الرقمية أو الوسطاء غير النظاميين. هذا التحول يحمل في طياته مخاطر تتعلق بغياب الشفافية، وتزايد معدلات الاحتيال، فضلاً عن تقويض جهود مكافحة غسل الأموال والإرهاب المالي.

ورغم أن الخطوة تُسوَّق على أنها جزء من إصلاحات مالية داخلية، إلا أن أبعادها الجيوسياسية لا يمكن تجاهلها. ففرض مثل هذه الرسوم على التحويلات إلى دول الجنوب العالمي، لا سيما في ظل تقليص المساعدات الأمريكية الرسمية، مثل تعليق تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يُفسَّر في بعض الأوساط كمحاولة لإعادة هيكلة علاقة الولايات المتحدة مع الدول النامية على أسس أكثر تقييدًا.

في هذا السياق، يُنظر إلى القرار كأداة ضغط غير مباشرة قد تُستخدم لإعادة صياغة أولويات الشراكات الاقتصادية والإنمائية، بما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة على حساب التدفقات المالية التي تعتمد عليها دول هشة اقتصاديًا.

إن فرض ضريبة على تحويلات المغتربين لا يمكن عزله عن السياق الأوسع للسياسات الانعزالية التي اتبعتها إدارة ترامب، والتي تهدف إلى إعادة توجيه الموارد المالية لخدمة الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، فإن تداعيات هذا القرار على المدى المتوسط والطويل قد تتجاوز الأثر المالي المباشر، لتطال البُنى الاقتصادية والاجتماعية في دول تعتمد بشكل كبير على التحويلات كمصدر استقرار ومعيشة، مما يثير تساؤلات حول مسؤولية السياسات الدولية في زمن الترابط المالي العالمي.

Exit mobile version